الموسوعة الحديثية


- أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ أَتى أبا موسى الأشْعريَّ في مَنزِلِه، فحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فقال أبو موسى: تَقدَّمْ يا أبا عبدِ الرَّحمنِ؛ فإنَّكَ أقدَمُ سِنًّا وأعلمُ، قال: لا، بل تَقدَّمْ أنتَ؛ فإنَّما أتَيْناكَ في مَنزِلِكَ ومسجدِكَ، فأنتَ أحقُّ، قال: فتَقدَّمَ أبو موسى فخَلَعَ نَعلَيه، فلمَّا سَلَّمَ قال: ما أرَدتَ إلى خَلعِهما؟ أبِالوادي المُقدَّسِ أنتَ؟! لقد رَأَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي في الخُفَّينِ والنَّعلَينِ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 4397 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (1039) مختصراً، وأحمد (4397) واللفظ له
هذا الحَديثُ يُوضِّحُ جانِبًا مِمَّا كان عليه الصَّحابةُ مِنَ المَحبَّةِ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والحِرصِ على اتِّباعِ سُنَّتِه ومَعرِفةِ هَدْيِه؛ حيث يُخبِرُ التابِعيُّ عَلقَمةُ بنُ قَيسٍ أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه ذَهَبَ إلى بَيتِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه، فحَضَرَتْهمُ الصَّلاةُ وهم مُجتَمِعونَ، فجَعَلَ أبو موسى رَضيَ اللهُ عنه يُقَدِّمُ ابنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه لِلإمامةِ، وقَولُه: (يا أبا عَبدِ الرَّحمنِ) هو كُنيةُ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ، وبَيَّنَ له أبو موسى رَضيَ اللهُ عنه سَبَبَ تَقديمِه، وذلك أنَّ ابنَ مَسعودٍ أكبَرُ سِنًّا، وأكثَرُ عِلْمًا، فهذا مِن حُسنِ تَوقيرِ الكَبيرِ واحتِرامِ العالِمِ ومَعرِفةِ فَضلِه، فامتَنَعَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، وقَدَّمَ أبا موسى رَضيَ اللهُ عنه لِلإمامةِ، وبَيَّنَ أنَّ صاحِبَ البَيتِ هو المُقَدَّمُ على غَيرِه، والإمامُ الثابِتُ لِلمَسجِدِ أيضًا مُقَدَّمٌ على غَيرِه، فأخبَرَ عَلقَمةُ أنَّ أبا موسى تَقَدَّمَ لِلإمامةِ فخَلَعَ نَعلَيْه، فلَمَّا أنِ انتَهى مِنَ الصَّلاةِ، أنكَرَ عليه ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه خَلْعَه لِنَعْلَيِه، وقال: "ما أرَدتَ إلى خَلعِهما؟" أي: ما سَبَبُ خَلعِ النَّعلِ؟ "أبالوادي المُقَدَّسِ أنتَ؟!" ويَقصِدُ قَولَ اللهِ تعالَى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12]، وهذا مِن مَزيدِ الإنكارِ عليه، ثم أخبَرَه ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه فقال: "لقد رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي في الخُفَّينِ والنَّعلَيْنِ" والخُفُّ هو ما يُلبَسُ في الرِّجلِ مِن جِلدٍ رَقيقٍ، ويَكونُ ساتِرًا لِلكَعبَيْنِ فأكثَرَ؛ يُتَّخَذُ مِنَ الجِلدِ يُستَرُ به القَدَمُ ويُغَطِّيها؛ بقَصدِ التَّدفِئةِ وما شابَهَ، والنَّعلُ: هو ما يُلبَسُ في الرِّجْلِ عِندَ المَشيِ، وكُلُّ ما وُقِيَتْ به القَدَمُ مِنَ الأرضِ، والغالِبُ أنَّه لا يَستُرُ القَدَمَ، ومُرادُ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه بَيانُ مَشروعيَّةِ أنْ يُباشِرَ المَرءُ صَلاتَه بما في قَدَمِه مِن حِذاءٍ ونَحوِه مع التَّيَقُّنِ مِن طَهارَتِه وعَدَمِ نَجاسَتِه، فإذا تَحقَّقَ مِن نَجاسَتِه لا يُصَلِّي فيه إلَّا بَعدَ طَهارَتِه.