الموسوعة الحديثية


-  كُنَّا نَنبِذُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، غُدوةً في سِقاءٍ، ولا نُخمِّرُه، ولا نَجعَلُ له عَكَرًا، فإذا أَمْسى تَعشَّى، فشرِبَ على عَشائِه، فإنْ بقِيَ شيءٌ، فرَّغْتُه، أو صبَبْتُه، ثُم نَغسِلُ السِّقاءَ، فنَنبِذُ فيه منَ العِشاءِ، فإذا أصبَحَ تَغدَّى، فشرِبَ على غَدائِه، فإنْ فضَلَ شيءٌ صبَبْتُه، أو فرَّغْتُه، ثُم غُسِلَ السِّقاءُ، فقيلَ له: أفيه غُسلُ السِّقاءِ مرَّتيْنِ؟ قال: مرَّتيْنِ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 24930 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (3712)، وأحمد (24930) واللفظ له
لقد بَيَّنَ الشَّرعُ المُطهَّرُ لِلنَّاسِ الحَلالَ والحَرامَ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ.وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها كانتْ تَنبِذُ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّباحِ، وهو نَقعُ شَيءٍ مِنَ التَّمْرِ أوِ الزَّبيبِ مع الماءِ في إناءٍ، وكان ذلك لِتَحليةِ الماءِ؛ لِأنَّ ماءَ المَدينةِ كان مالِحًا بَعضَ الشَّيءِ، وكانت لا تُخَمِّرُه، أيْ: لا تُغَطِّيه، ولا تَجعَلُ له عَكَرًا، أي: لا تَترُكُ فيه دَرَنًا، بل تَغسِلُه، فإذا كان المَساءُ شَرِبَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعدَ أكْلِ عَشائِه، ويُهرَقُ ما تَبَقَّى منه، ويُغسَلُ الإناءُ مِن آثارِ النَّقعِ السابِقِ؛ حتى لا تُؤَثِّرَ بقاياه في النَّقعِ الجَديدِ، ثم يُنقَعُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَساءِ فيَشرَبُه صَباحًا بَعدَ أكْلةِ الغَداءِ، ثم يُهرَقُ ما تَبَقَّى، وكُلُّ ما جاءَ في الحَديثِ مِن دَواعي التَّعامُلِ مع النَّقعِ وكَيفيَّتِه هو لِلحِفاظِ عليه مِن وُصولِه لِحالةِ التَّخَمُّرِ التي حينها سيُحَرَّمُ ويُحظَرُ شُربُه؛ لِأنَّه سيَكونُ مُسَبِّبًا لِلإسكارِ؛ فالإناءُ يُغسَلُ مَرَّتَيْنِ في اليَومِ بعَدَدِ النَّقعاتِ التي وَرَدتْ في الحَديثِ، ويُتنَبَّه في الحَديثِ إلى أنَّ الأصلَ في مُدَّةِ النَّقعِ هي المُؤَثِّراتُ التي تُسَرِّعُ أو تُبَطِّئُ مِن تَخَمُّرِه، فدَرَجةُ حَرارةِ الجَوِّ، ومادَّةُ صُنعِ الإناءِ، وغِطاؤُه، وغَسلُه وعَدَمُ غَسلِه، كُلُّ هذا يُسهِمُ مُباشَرةً في التأثيرِ على النَّقعِ، فرُبَّما كانت مُدَّةُ النَّقعِ أطوَلَ أو أقصَرَ، باختِلافِ تلك المُؤَثِّراتِ.وقد وَرَدَ النَّهيُ عن أنْ يُجمَعَ بَينَ نَوعَيْنِ، فتَتَخمَّرَ وتَصِلَ إلى حَدِّ الإسكارِ؛ فالمَشروعُ هو شُربُ الطَّيِّبِ الذي لا يُسكِرُ، والمَنهيُّ عنه مِن ذلك هو كُلُّ ما يُذهِبُ العَقلَ ويُسكِرُه مِن كُلِّ الأشرِبةِ؛ ففي صَحيحِ مُسلِمٍ عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن شَرِبَ النَّبيذَ مِنكم فلْيَشرَبْه زَبيبًا فَردًا، أو تَمْرًا فَردًا، أو بُسْرًا فَردًا"، وقال أيضًا: "نَهانا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ نَخلِطَ بَينَ الزَّبيبِ والتَّمْرِ، وأنْ نَخلِطَ البُسْرَ والتَّمْرَ". وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الانتِباذِ وشُربِه ما لم يَصِلْ إلى حَدِّ الإسكارِ.