الموسوعة الحديثية


- كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذكَرَ خَديجةَ أَثْنى عليها، فأحسَنَ الثناءَ، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقُلْتُ: ما أكثرَ ما تذكُرُها حَمراءَ الشِّدْقِ، قد أبدَلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها خَيرًا منها، قال: ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 24864 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (3821)، ومسلم (2437) بنحوه مختصراً، وأحمد (24864) واللفظ له
كانت خَديجةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ أُمُّ المُؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها شَريفةً في قَومِها، تَزَوَّجَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَتْ أحَبَّ نِسائِه إليه، وعاشَ بَعدَ أنْ تَزَوَّجَها ثَمانيةً وثَلاثينَ عامًا؛ انفَرَدَتْ خَديجةُ منها بِخَمسةٍ وعِشرينَ عامًا، وهي نَحوُ الثُّلُثَيْنِ مِنَ المَجموعِ، ومع طُولِ المُدَّةِ صَانَ قَلبَها فيها مِنَ الغَيْرةِ ومِن نَكَدِ الضَّرائِرِ، الذي رُبَّما حَصَلَ له هو منه ما يُشَوِّشُ عليه بذلك، وهي فَضيلةٌ لم يُشارِكْها فيها غَيرُها.وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرًا ما كان يَذكُرُ زَوجَتَه خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها بالثَّناءِ والكَلامِ الحَسَنِ، فغارَتْ منها يَومًا حتى قالت لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما أكثَرَ ما تَذكُرُها حَمراءَ الشِّدقِ" والشِّدقُ جانِبُ الفَمِ، وتَقصِدُ: سُقوطَ الأسنانِ مِنَ الكِبَرِ، فلم يَبقَ بشِدقَيْها بَياضٌ إلَّا حُمرةُ اللِّثَةِ، "قد أبدَلَكَ اللهُ خَيرًا منها"، أي: قد أبدَلَكَ اللهُ بكَبيرةِ السِّنِّ زَوجةً حَديثةَ السِّنِّ. فأجابَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَعديدِ مَيزاتِ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها ومَحاسِنِها، وما تَفوَّقَتْ به عن باقي النِّساءِ، وأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يُعَوِّضْه عنها بمَن تَكونُ في قَدْرِها وفَضلِها؛ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "قد آمنَتْ بي إذْ كَفَرَ بيَ الناسُ" حيث إنَّها أوَّلُ مَن أسلَمَ مِنَ النِّساءِ، "وصَدَّقَتْني إذْ كَذَّبَني الناسُ" فهي رَضيَ اللهُ عنها صَدَّقتْ بالوَحْيِ الذي أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهي عِندَه، "وواسَتْني بمالِها إذْ حَرَمَني الناسُ"، وكانت رَضيَ اللهُ عنها كَثيرةَ المالِ، وكَثيرًا ما تُنفِقُ مِن مالِها في حَقِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَقِّ دَعوَتِه، "ورَزَقَني اللهُ عَزَّ وجَلَّ وَلَدَها إذْ حَرَمَني أولادَ النِّساءِ" حيث كانت رَضيَ اللهُ عنها أُولى زَوجاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان جَميعُ أولادِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن خَديجةَ، إلَّا إبراهيمَ؛ فإنَّه كان مِن جاريَتِه ماريَةَ، والمُتَّفَقُ عليه مِن أولادِه منها القاسِمُ، وبه كان يُكْنَى، ماتَ صَغيرًا قَبلَ المَبعَثِ، أو بَعدَه، وبَناتُه الأربَعُ زَينَبُ، ثم رُقَيَّةُ، ثم أُمُّ كُلثومٍ، ثم فاطِمةُ، وقيلَ: كانت أُمُّ كُلثومٍ أصغَرَ مِن فاطِمةَ، وعَبدُ اللهِ، وُلِدَ بَعدَ المَبعَثِ، فكانَ يُقالُ له: الطاهِرُ والطَّيِّبُ، ويُقالُ: هما أخَوانِ له، ومات الذُّكورُ صِغارًا باتِّفاقٍ.ومع تَعَدُّدِ زَوجاتِه لم يُنجِبْ منهُنَّ بَعدَ خَديجةَ وماريَةَ.في الحَديثِ: فَضلُ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها، الذي يَتجَلَّى في شِدَّةِ مَحبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها. وفيه: أنَّ الغَيْرةَ غَريزةٌ في النَّفْسِ، لا يُلامُ عليها الإنسانُ، إلَّا إذا زادَتْ على حَدِّها، أو أدَّتْ إلى مُخالَفةٍ شَرعيَّةٍ.وفيه: دَلالةٌ على حُسنِ العَهدِ، وحِفظِ الوُدِّ، ورِعايةِ حُرمةِ الصَّاحِبِ والمُعاشِرِ؛ حَيًّا ومَيِّتًا.