الموسوعة الحديثية


- لا عَدوى، ولا هامةَ، وخَيرُ الطِّيَرِ الفَألُ، والعَينُ حَقٌّ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 10321 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (5707، 5740)، ومسلم (2187، 2220) مفرقاً مختصراً باختلاف يسير
جاءَ الإسلامُ لِيَهدِمَ مُعتَقَداتِ الجاهِليَّةِ، ويَبنيَ لِلمُسلِمِ العَقيدةَ الصَّحيحةَ المَبنِيَّةَ على صِحَّةِ التَّوحيدِ، وقُوَّةِ اليَقينِ، والابتِعادِ عنِ الأوْهامِ والخَيالاتِ التي تَعبَثُ بالعُقولِ.وفي هذا الحَديثِ يَقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا عَدْوى" وهي انتِقالُ المَرَضِ مِنَ المَريضِ إلى غَيرِه، والمَعنى: أنَّها لا تُؤَثِّرُ بطَبعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقَدَرِ اللهِ وتَقديرِه، وكانوا يَظُنُّونَ أنَّ المَرَضَ بنَفْسِه يُعْدي، فأعلَمَهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الأمْرَ ليس كذلك، وإنَّما اللهُ عَزَّ وجَلَّ هو الذي يُمرِضُ ويُنزِلُ الدَّاءَ. "ولا هامَةَ" وأيضًا يُبطِلُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّشاؤُمَ والتَّطَيُّرَ بالهامَةِ، وأنَّه لا وُجودَ لِهذا المُعتَقَدِ الجاهِليِّ في ظِلِّ الإسلامِ، والهامَةُ اسمُ طائِرٍ، وهو المُرادُ في الحَديثِ، وذلك أنَّهم كانوا يَتشاءَمونَ بها، وهي مِن طَيرِ اللَّيلِ، وقيلَ: هي البُومةُ، وقيلَ: كانتِ العَرَبُ تَزعُمُ أنَّ رُوحَ القَتيلِ الذي لا يُدرَكُ بثَأْرِه يَصيرُ هامَةً، فيَقولُ: اسقوني، اسقوني، فإذا أُدرِكَ بثَأْرِه طارَتْ. وقيلَ: كانوا يَزعُمونَ أنَّ عِظامَ المَيِّتِ -وقيلَ: رُوحُه- تَصيرُ هامَةً، فتَطيرُ، ويُسَمُّونَه: الصَّدى، فنَفاه الإسلامُ، ونَهاهم عنه. "وخَيرُ الطِّيَرِ الفَأْلُ" والطِّيَرُ جَمْعُ الطِّيَرةِ، وهي التَّشاؤُمُ بالشَّيءِ يُرَى أو يُسمَعُ، ويُتَوَهَّمُ وُقوعُ المَكروهِ به، فيُظَنُّ أنَّ هذا الشَّيءَ هو السَّبَبُ فيما يَحدُثُ، فيُتَطيَّرُ به، ويُتَشاءَمُ منه، بل كُلُّ شَيءٍ بقَدَرِ اللهِ عزَّ وجلَّ. ثم يُبَيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ خَيرَ تلك الظُّنونِ التي تَظهَرُ آثارٌ لها في الواقِعِ هو الفَأْلُ، فالفَأْلُ يُساعِدُ الإنسانَ على السَّعيِ في قَضاءِ مُهِمَّاتِه وإتمامِها، وفي الصَّحيحَيْنِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ: "وما الفَأْلُ؟ قال: الكَلِمةُ الصَّالِحةُ يَسمَعُها أحَدُكم" تَجعَلُه يُحسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّه، وتَشرَحُ صَدرَه، وتُريحُ فُؤادَه.ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "والعَينُ حَقٌّ" والعَينُ آفةٌ تُصيبُ الإنسانَ والحَيوانَ؛ نَتيجةَ نَظرةِ العائِنِ؛ فتُؤثِّرُ فيه، فيَمرَضُ أو يَهلِكُ بسَبَبِها، وهي ثابِتةٌ واقِعةٌ، ولها تَأْثيرٌ، وهي حَقٌّ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، لا بفِعلِ العائِنِ، بل يُحدِثُ اللهُ في المَنظورِ عِلَّةً يَكونُ النَّظَرُ سَبَبَها، فيُؤاخِذُ اللهُ العائِنَ بجِنايَتِه عليه بالنَّظَرِ. وقد جَعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّقيةَ عِلاجًا لِلعَينِ، وتَكونُ الرُّقيةُ مِنَ العَينِ والنَّظرةِ بالقُرآنِ، وبِما وَرَدَ في السُّنَّةِ الصَّحيحةِ، والرُّقى والأدعيةِ التي ليس فيها شِركٌ، أو مُخالَفةٌ لِلشَّرعِ المُطَهَّرِ، وهذا ما يُرجَى بَرَكَتُه.