الموسوعة الحديثية


- نهانا كُبَراؤُنا مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ قال : لا تَسُبُّوا أُمَراءَكم ولا تَغُشُّوهم ولا تَبْغَضوهم واتقوا اللهَ واصبِروا فإنَّ الأمرَ قريبٌ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة | الصفحة أو الرقم : 1015 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد | التخريج : أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (1015)
التَّناصُحُ بيْن المُسلِمينَ مِن مَعالِمِ الدِّينِ الحَنيفِ، ومِن حُسْنِ التَّعامُلِ بيْن النَّاسِ أنْ يَتَناصَحوا فيما بيْنهم بالمَعروفِ، وبغَيرِ أنْ يُحْدِثوا مُنكَرًا أكبَرَ مِمَّا يَنصَحونَ به مِنَ المَعروفِ، مع إخلاصِ المَحبَّةِ لِلمَنصوحِ، ومَعرِفةِ حَقِّه لكونِه مُسلِمًا، ومَعرِفةِ حَقِّه لِمَوقِعِه في المُجتَمَعِ.وفي هذا الأثَرِ يُبَيِّنُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه رَأْيَ أكابِرِ أصحابِ رَسولِ اللهِ، ونُصحَهم في التَّعامُلِ مع الأُمَراءِ بالطَّاعةِ والصَّبرِ، وأنَّهم نَهَوْا عن سَبِّ الأُمَراءِ وَوُلاةِ الأُمورِ، والانتِقاصِ منهم بالشَّتمِ، كما نَهَوْا عن غِشِّهم بالقَولِ أوِ الفِعلِ، بلْ على المُسلِمِ أداءُ الحُقوقِ إليهم كامِلةً، والنَّصيحةُ لِأئِمَّةِ المُؤمِنينَ، وأنْ يُطيعَهم في الحَقِّ.وبالإضافةِ إلى ذلك نَهى الصَّحابةُ الكِرامُ عن كُرهِ المُسلِمِ لِلأُمَراءِ، بلْ عليه أنْ يُحِبَّهم في اللهِ، وإذا كان الحُبُّ في اللهِ، والبُغضُ في اللهِ أوثَقَ عُرى الإيمانِ، فإنَّ المَقصودَ أنْ نُحِبَّ الطائِعَ لِطاعَتِه، ونُبغِضَ الفاسِقَ لِفِسقِه وفُجورِه، أميرًا كان أو مأْمورًا، إلَّا أنَّ بُغضَنا لِلأُمَراءِ إنْ كانوا فاسِقينَ وجائِرينَ لا يَحمِلُنا على الخُروجِ عليهم، ولا على مُنابَذَتِهم، بل نَصبِرُ عليهم ونُناصِحُهم؛وذلك لِأنَّ هذه الرَّذائِلَ -مِنَ السَّبِّ والكُرْهِ والغِشِّ- لا تُصلِحُ أحوالَ الأُمَراءِ، ولا أحوالَ المُجتَمعِ، وإنَّما تُفسِدُ قَلبَ مَن يَفعَلُها وتَملَؤُه حَنَقًا على الأُمَراءِ، ولا تُفيدُ في تَغييرِ الواقِعِ بشَيءٍ.وقد قَدَّمَ الصَّحابةُ الكِرامُ الحَلَّ لِهذه المُشكِلةِ، وهو تَقْوى اللهِ؛ فإذا اتَّقى كُلُّ مُسلِمٍ رَبَّه فيما خَوَّلَه في الدُّنيا، وأدَّى واجِباتِه الشَّرعيَّةَ وهو مُستَحضِرٌ تَقوَى اللهِ وخَشيَتَه في قَلبِه؛ صَلَحَ حالُ المُجتَمَعِ كُلِّه، وظَهَرَ فيهمُ الصَّلاحُ التَّامُّ الذي فيه سَلامةُ الدِّينِ والدُّنيا، وإنْ جارَ الأُمَراءُ.كما أنَّ الصَّبرَ على أحوالِ الأُمَراءِ فيه راحةٌ لِلصَّابِرِ المُحتَسِبِ، ولَعَلَّ اللهَ يُصلِحُ أحوالَ الأُمَراءِ مع الصَّبرِ عليهم، فيَكونُ ذلك خَيرًا لِلرَّاعي والرَّعيَّةِ على حَدٍّ سَواءٍ، وعلى كُلِّ حالٍ فإنَّ الأمْرَ قَريبٌ، والرُّجوعَ إلى اللهِ غَيرُ بَعيدٍ، وهو يَحكُمُ بيْن عِبادِه، ويُجازي كُلَّ امرِئٍ على ما استَرْعاه، فإذا جَعَلَ المُسلِمونَ هذه النَّصائِحَ نُصبَ أعيُنِهم، فلا شَكَّ أنَّ فيها الخَيرَ لِلجَميعِ، حُكَّامًا ومَحكومينَ.ومَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ أنَّهم لا يَرَوْنَ الخُروجَ على الأئِمَّةِ وقِتالَهم بالسَّيفِ، وإنْ كان فيهم ظُلمٌ؛ لِمَا في الخُروجِ مِن وُقوعِ فِتَنٍ وظُلمٍ أشَدَّ مِن ظُلمِ الحُكَّامِ.