الموسوعة الحديثية


- عن أرقم بن شرحبيل قال: سافَرْتُ مع ابنِ عبَّاسٍ مِنَ المدينةِ إلى الشامِ، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا مَرِضَ مَرضَه الذي ماتَ فيه، كان في بيتِ عائشةَ، فقال: ادْعُ لي عليًّا، فقالت: ألا نَدْعو لكَ أبا بَكرٍ؟ قال: ادْعوهُ، فقالت حَفْصةُ: ألَا نَدْعو لكَ عُمَرَ؟ فقال: ادْعوهُ، فقالت أُمُّ الفَضلِ: ألَا نَدْعو لكَ العبَّاسَ؟ قال: ادْعوهُ، فلمَّا حَضَروا رفَعَ رأسَه، فقال: لِيُصَلِّ بالنَّاسِ أبو بَكرٍ، فتقدَّمَ أبو بَكرٍ يُصلِّي بالنَّاسِ، ووجَدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خِفَّةً، فخرَجَ يُهادي بيْنَ رَجُليْنِ، فلمَّا أحسَّ به أبو بَكرٍ سَبَّحوا، فذهَبَ أبو بَكرٍ يَتأخَّرُ، فأشارَ إليه النَّبيُّ عليه السَّلامُ مَكانَكَ، فاستَمَرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من حيث انْتَهى أبو بَكرٍ منَ القُرآنِ، وأبو بَكرٍ قائمٌ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسٌ، فائْتَمَّ أبو بَكرٍ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَا قَضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلاةَ حتى ثَقُلَ، فخرَجَ يُهادى بيْنَ رَجُليْنِ، وإنَّ رِجلَيْه لتَخُطَّانِ بالأرضِ، فماتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ يومٍ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 5646 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (1235)، وأحمد (3355) باختلاف يسير
كان لأبي بَكْرٍ رضِيَ اللهُ عنه عَظِيمُ فَضلٍ ومَكانةٍ منذُ أنْ صَحِبَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أَهَّلَاهُ لِأَنْ يَخْلُفَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المُسلِمينَ في دِينِهم ودُنْياهم. وفي هذا الحَديثِ يقولُ التابِعيُّ أَرْقَمُ بنُ شُرَحْبِيلَ: "سافَرْتُ معَ ابنِ عبَّاسٍ مِنَ المَدينةِ إلى الشامِ، فسألْتُه: أكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَوْصى؟" أيْ: أَوْصى بشَيءٍ بعدَ مَوتِه، ومَنْ يَتَوَلَّى الخِلافةَ بعدَه، "فقال ابنُ عبَّاسٍ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا مَرِضَ مَرضَه الذي مات فيه"، وكان ذلك في السَّنةِ العاشِرةِ مِنَ الهِجْرةِ " -فذَكَرَ حَديثًا طَويلًا، وفيه-: "وقد ذَكَرَ في روايةِ الطَّحاويِّ في مُشْكِلِ الآثارِ هذا الجُزْءَ الـمُختَصَرَ، وفيه: "كان في بيتِ عائشةَ" حيث طَلبَ مِن زَوْجاتِه أنْ يُـمَرَّضَ في بيتِها، "فقال: ادْعوا لي عَلِيًّا"، ولَـمْ يَذْكُرِ الأَمْرَ الذي طلَبَ اسْتِدعاءَه مِن أَجْلِه، "فقالتْ عائشةُ: ألَا نَدْعو لكَ أبا بَكرٍ؟ قال: ادْعوه، فقالتْ حَفْصةُ: ألَا نَدْعو لكَ عُمَرَ؟ قال: ادْعوه، فقالتْ أُمُّ الفَضلِ: ألَا نَدْعو لكَ العبَّاسَ عمَّكَ؟ قال: ادْعوه"، وهذا مِنِ اخْتِلافِ النساءِ عندَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأجابَهم جميعًا، "فلَمَّا حَضَروا رفَعَ رأسَهُ"، قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "ثم قال" النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لِيُصَلِّ للناسِ أبو بَكرٍ" أيْ: لِيُصَلِّ بهم إمامًا في الصلاةِ، وهذا استِخْلافٌ له في أمْرِ الصلاةِ التي هي أَهَمُّ رُكْنٍ في الدِّينِ، "فتقدَّمَ أبو بَكرٍ، فصَلَّى بالناسِ، ورَأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن نَفْسِه خِفَّةً"، بمَعنى أنَّه وجَدَ مِن نَفْسِه بعضَ النشاطِ والراحةِ مِنَ المَرَضِ، "فخرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رجُلَيْنِ" أيْ: يُحْمَلُ مَسْنُودًا بَيْنَهما، وكان ذلك في صلاةِ الظُّهرِ، كما عندَ البُخاريِّ، "فلَمَّا أَحَسَّ به الناسُ سَبَّحُوا"، أيْ: قالوا: سُبحانَ اللهِ، تَنْبيهًا لأبي بَكرٍ بقُدومِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فذهَبَ أبو بَكرٍ يتأخَّرُ"، يَرجِعُ إلى الصفِّ معَ الـمُصلِّينَ ليَقِفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مكانِه إمامًا، "فأشارَ إليه" النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "بيَدِه -مَكانَكَ-"، بمَعنى: الْزَمْ مكانَكَ "فاستفْتَحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" القِراءةَ "مِنْ حيثُ انْتَهى أبو بَكرٍ مِنَ القِراءةِ، وأبو بَكْرٍ قائمٌ"، جِوارَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسٌ، فَائْتَمَّ أبو بَكْرٍ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وَائْتَمَّ الناسُ بأبي بَكْرٍ"، فكان أبو بَكْرٍ مُبَلِّغًا عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي روايةِ الطَّحَاوِيِّ في الـمُشْكِلِ: "فما قَضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصلاةَ حتى ثَقُلَ"، أيْ: اشتَدَّ عليه المرَضُ مرةً أُخْرى، "فخرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وإنَّ رِجْلَيْه لَتَخُطَّانِ بالأرضِ"، أيْ: تَجُرَّانِ على الأرضِ ولا يَستَطيعُ أنْ يَتحامَلَ عليهما، "فمات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يُوصِ"، أيْ: ولم يُصَرِّحْ باسمِ مَن يَخْلُفُه بعدَ موتِه.
وفي الحَديثِ: بيانُ حِرْصِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أداءِ الصلاةِ في جماعةٍ حتى معَ شِدَّةِ مَرضِه.
وفيه: مَنْقَبةٌ لأبي بَكْرٍ رضِيَ اللهُ عنه حيثُ استَخلَفَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أَمْرِ الصلاةِ .