الموسوعة الحديثية


- لا تُباشِرُ المرأةُ المرأةَ كأنَّها تَنعَتُها لزَوجِها -أو تَصِفُها لزَوجِها، أو للرَّجُلِ- كأنَّه يَنظُرُ. وإذا كان ثلاثةٌ فلا يَتناجى اثنانِ دونَ صاحِبِهما؛ فإنَّ ذلك يُحزِنُه. ومَن حَلَفَ على يَمينٍ كاذبًا؛ ليَقتطِعَ بها مالَ أخيه -أو قال: مالَ امرئٍ مُسلمٍ-، لَقِيَ اللهَ عزَّ وجلَّ وهو عليه غَضْبانُ. قال: فسَمِعَ الأشْعثُ بنُ قَيسٍ ابنَ مَسعودٍ يُحدِّثُ هذا، فقال: فِيَّ قال ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي رَجُلٍ، اختصَمْنا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بِئرٍ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 4395 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6290، 5240، 2356، 2357) مفرقا، ومسلم (2184، 138)، والترمذي (2825، 1269)، وابن ماجه (3775، 2323) مفرقا مختصراً، وأبو داود (4851، 2150، 3243) مفرقاً، وأحمد (4395) واللفظ له
حَثَّتْ شَريعةُ الإسلامِ المُطهَّرةُ على كُلِّ ما يَكونُ سَبَبًا لِتأليفِ قُلوبِ المُسلِمينَ بَعضِهم على بَعضٍ، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِعَدَدٍ مِنَ الأخلاقيَّاتِ والآدابِ التي تَحفَظُ العَلاقاتِ بَينَ الناسِ، وتَحفَظُ حُقوقَهم وحُرُماتِهم، حيث قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تُباشِرِ المَرأةُ المَرأةَ"، أي: لا تُلامِسِ امرأةٌ بَشَرةَ امرأةٍ أُخرى دونَ حائِلٍ، ولا تَنظُرْ إلى بَشَرَتِها ومَحاسِنِها، "كأنَّها تَنعَتُها" تَصِفُها وتُخبِرُ بمَحاسِنِها وما فيها مِن جَمالٍ أو قُبحٍ "لِزَوجِها -أو تَصِفُها لِزَوجِها، أو لِلرَّجُلِ- كأنَّه يَنظُرُ" وذلك مِن شِدَّةِ الوَصفِ ودِقَّتِه، وفي ذلك مَضارُّ مُتعدِّدةٌ، فإنْ كانَتْ جَميلةً تَعلَّقَ قَلبُه بها، فيَميلَ إليها ويُفتَتَنَ بها ويَكرَهَ زَوجَتَه التي وَصَفتْها لِأجْلِها، فيَكونَ ذلك سَبَبَ طَلاقِها، وإنْ كانت قَبيحةً، فهذا مِنَ الغِيبةِ التي رُبَّما تَجعَلُ زَوجَها غَيرَ راضٍ عنها. ثُم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإذا كان ثَلاثةٌ فلا يَتناجى اثنانِ دونَ صاحِبِهما" وهذا نَهيٌ عن تَناجي الرَّجُلَيْنِ؛ والتَّناجي هو أن يُكلِّمَ الرَّجُلُ الآخَرَ سِرًّا بحُضورِ ثالِثٍ، وإنْ كانَتِ النَّجوى في مُباحٍ، ثم بَيَّنَ عِلَّةَ هذا النَّهيِ بقوله: "فإنَّ ذلك يُحزِنُه"؛ مِن أجْلِ أنَّ ذلك يُحزِنُه؛ لِمَا قد يُوسوِسُ له به الشَّيطانُ مِن أنَّهما يَتناجَيانِ لِلإضرارِ به، أو يَحزَنُ لاختِصاصِ غَيرِه بالمُناجاةِ، وبَيَّنتِ الرِّواياتُ أنَّ النَّهيَ يَزولُ إذا كانوا في جَماعةٍ وخُلطةٍ بالناسِ؛ لِزَوالِ الرِّيبةِ، كما في رِوايةِ الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقال: "إذا كُنتُم ثَلاثةً فلا يَتناجَى اثنانِ دونَ الآخَرِ حتى تَختَلِطوا بالناسِ". ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ومَن حَلَفَ على يَمينٍ كاذبًا" واليَمينُ: تَوكيدُ الشَّيءِ بذِكرِ اسمِ اللهِ أو صِفَتِه، واليَمينُ الكاذِبةُ هي التي يَتعَمَّدُ الحالِفُ الكَذِبَ فيها، وتُسَمَّى اليَمينَ الغَموسَ؛ "لِيَقتَطِعَ بها مالَ أخيه -أو قال: مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ-" فيأخُذَه دونَ وَجهِ حَقٍّ، وهو يَعلَمُ أنَّه مالُ أخيه، ليس مالَ نَفْسِه "لَقيَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ وهو عليه غَضبانُ" فيَكونَ جَزاؤُه أنْ يُعامِلَه اللهُ يَومَ القيامةِ مُعامَلةَ المَغضوبِ عليه، مِن كَونِه لا يَنظُرُ إليه ولا يُكلِّمُه، ولِمُسلِمٍ أيضًا مِن حَديثِ عِمرانَ بنِ حُصَينٍ: "فليَتبَوَّأْ مَقعَدَه مِنَ النارِ" وهذا مِن بابِ التأديبِ والتَّعليمِ والإرشادِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمَّتِه؛ حتى لا يَتجَرَّأ أحَدٌ على اغتِصابِ حُقوقِ الناسِ، ثم يُقاتِلَ عليها، ثم يَطلُبَ الحَلِفَ واليَمينَ على أنَّها له، ويَستَحِلَّها بذلك، فيَكونَ قد أوقَعَ نَفْسَه في الحَرامِ المُؤدِّي إلى الطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ وإعراضِ اللهِ عنه برَحمَتِه. قال أبو وائِلٍ، شَقيقُ بنُ سَلَمةَ: "فسَمِعَ الأشعَثُ بنُ قَيسٍ ابنَ مَسعودٍ يُحدِّثُ هذا، فقال: فِيَّ قال ذلك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي رَجُلٍ" بمَعنى: أنَّ حَديثَ اقتِطاعِ المالِ كان لِمُنازَعةٍ بَينَ الأشعَثِ ورَجُلٍ، "اختَصَمْنا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بِئرٍ" تَحاكَمْنا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَفصِلَ بَينَنا في أمْرِ هذه البِئرِ، وتَمامُ الرِّوايةِ عِندَ البُخاريِّ: "فاختَصَمْنا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال رَسولُ اللهِ: شاهِداكَ أو يَمينُه، قُلتُ: إنَّه إذَنْ يَحلِفُ ولا يُبالي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن حَلَفَ على يَمينٍ يَستَحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجِرٌ، لَقيَ اللهَ وهو عليه غَضبانُ. فأنزَلَ اللهُ تَصديقَ ذلك، ثم اقتَرَأ هذه الآيةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]، إلى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]". وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن نَقلِ دواخِلِ الغَيرِ وإفشاءِ ما أمَرَ اللهُ بحِفظِه. وفيه: تَربيةٌ وإرشادٌ نَبَويٌّ لِحِفظِ الأعراضِ، وحِفظِ القُلوبِ مِنَ التَّعلُّقِ بما حَرَّمَه اللهُ. وفيه: إرشادٌ إلى سَدِّ الذَّرائِعِ المُؤدِّيةِ إلى إفسادِ القُلوبِ وإفسادِ العَلاقاتِ بَينَ الناسِ. وفيه: التَّغليظُ والتَّحذيرُ مِنَ استِحلالِ حُقوقِ الناسِ بغَيرِ وَجهِ حَقٍّ.