الموسوعة الحديثية


- إنَّ اللهَ نظَرَ في قلوبِ العِبادِ؛ فوجَدَ قلبَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خيرَ قلوبِ العِبادِ، فاصطَفاه لنفْسِه، فابْتعَثَه برِسالتِه، ثُمَّ نظَرَ في قلوبِ العِبادِ بعدَ قلبِ محمَّدٍ؛ فوجَدَ قلوبَ أصحابِه خيرَ قلوبِ العِبادِ، فجعَلَهم وُزَراءَ نبيِّه، يُقاتِلونَ على دينِه، فما رَأى المُسلمونَ حَسنًا؛ فهو عندَ اللهِ حَسنٌ، وما رأَوا سيِّئًا؛ فهو عندَ اللهِ سيِّئٌ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 3600 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن | التخريج : أخرجه أحمد (3600) واللفظ له، والطبراني (9/118) (8582)
كان عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن أجَلِّ الصَّحابةِ عِلْمًا، وأرفَعِهم قَدْرًا، وقد مَلأ اللهُ قَلبَه بنورِ العِلْمِ والإيمانِ، فكانتْ له آراءٌ واجتِهاداتٌ وأقوالٌ تُعَدُّ مِنَ الحِكَمِ البَيِّناتِ التي ألْقاها اللهُ سُبحانَه على قَلبِه ولِسانِه كما في هذا الأثَرِ، حيث يَقولُ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: "إنَّ اللهَ نَظَرَ في قُلوبِ العِبادِ" نَظرةَ فَحصٍ وتَمحيصٍ كما يَشاءُ، وكيفما شاءَ اللهُ سُبحانَه "فوَجَدَ قَلبَ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيرَ قُلوبِ العِبادِ" صَفاءً ونَقاءً، وأكثَرَ قابِليَّةً لِلحَقِّ والوَحيِ "فاصطَفاه لِنَفْسِه" فاجْتباه واختارَه لِيَكونَ نَبيَّه، "فابتَعَثَه برِسالَتِه، ثم نَظَرَ في قُلوبِ العِبادِ، بَعدَ قَلبِ مُحمدٍ؛ فوَجَدَ قُلوبَ أصحابِه خَيرَ قُلوبِ العِبادِ" نَقاءً وصَفاءً، وأكثَرَ قابِليَّةً لِلحَقِّ، "فجَعَلَهم وُزَراءَ نَبيِّه" يَستَشيرُهم في أُمورِ الدُّنيا والدِّينِ "يُقاتِلونَ على دِينِه"؛ دِفاعًا عنه، ونَشرًا له؛ "فما رأى المُسلِمونَ حَسَنًا؛ فهو عِندَ اللهِ حَسَنٌ، وما رأوا سَيِّئًا؛ فهو عِندَ اللهِ سَيِّئٌ" والمُرادُ أنَّ إجماعَ الصَّحابةِ واتِّفاقَهم على أمْرٍ، فهو صَحيحٌ، كما يَدُلُّ عليه السِّياقُ، ويُؤيِّدُه قَولُه تَعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، فالمُرادُ بالمُؤمِنينَ هنا الصَّحابةُ، على أحَدِ الأقوالِ، ويُؤيِّدُه أيضًا استِدلالُ ابنِ مَسعودٍ على إجماعِ الصَّحابةِ على اختيارِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه خَليفةً، كما في رِوايةِ الحاكِمِ، وعليه فاللَّامُ في (المُسلِمونَ) ليستْ لِلاستِغراقِ، بل لِلعَهدِ. وعلى أنَّ اللَّامَ لِلاستِغراقِ، فليس المُرادُ به قَطعًا كُلُّ فَردٍ مِنَ المُسلِمينَ، ولو كان جاهِلًا لا يَفقَهُ مِنَ العِلْمِ شَيئًا، فلا بُدَّ إذَنْ مِن أنْ يُحمَلَ على أهلِ العِلْمِ منهم بلا خِلافٍ، وهم زُبدَةُ المسلِمينَ وعُمدَتُهم، والمَقصودُ العُلَماءُ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، الأتقياءُ عنِ الحَرامِ والشُّبهةِ؛ وإجماعُهُم مَعصومٌ، ويُؤيِّدُ ذلك كُلَّه حَديثٌ مَرفوعٌ عِندَ مُسلِمٍ: "لا تَجتَمِعُ أُمَّتي على الضَّلالةِ"؛ فالحَديثُ -وإنْ كان مُطلَقًا- فإنَّ الأحَقَّ به عِندَ التَّخصيصِ هم صَحابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.