الموسوعة الحديثية


- اللَّهمَّ أَحيِني مِسكينًا، وأَمِتْني مِسكينًا، واحشُرني في زُمرةِ المساكينِ يومَ القيامَةِ، فقالَت عائِشةُ: لِمَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إنَّهم يَدخُلون الجنَّةَ قبلَ أغنيائِهم بأربعين خريفًا، يا عَائشةُ، لا ترُدِّي المِسكينَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، يا عائشةُ، أحِبِّي المساكينَ، وقَرِّبيهم؛ فإنَّ اللهَ يقرِّبُكِ يومَ القيامَةِ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 2352 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (2352)، وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (3/142) واللفظ لهما، والبيهقي (13530) باختلاف يسير.
حَرَصَ الإسلامُ على التَّكافُلِ بَينَ النَّاسِ، وأمَرَ المُسلِمينَ بالصَّدَقاتِ ومُراعاةِ الفُقراءِ والمَساكينِ والمُحتاجينَ، وبَيَّنَ فَضْلَ الإنفاقِ في سَبيلِ اللهِ، كما بَيَّنَ وُجوهَ ذلك، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُدوةَ الحَسَنةَ في ذلك. وفي هذا الخَبَرِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "اللَّهُمَّ أحْيِني مِسكينًا، وأمِتْني مِسكينًا" قيل: إنَّ هذا الدُّعاءَ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس لِتمنِّي الفَقرِ والمَسكنةِ، وإنَّما هو طلَبٌ لِلتَّواضُعِ والذِّلَّةِ للهِ؛ فلم يَكُنْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقيرًا مِنَ المالِ قطُّ، ولا كانت حالُه حالَ فَقيرٍ؛ فقد كانَ أغنى النَّاسِ باللهِ، وقد كَفاهُ اللهُ دُنياه في نَفْسِه وعِيالِه، وكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سألَ اللهَ تَعالى ألَّا يَجعَلَه مِنَ الجَبَّارينَ والمُتكبِّرينَ، وألَّا يَحشُرَه في زُمرةِ الأغنياءِ المُرَفَّهينَ. "واحْشُرْني في زُمرةِ المَساكينِ"، أي: اجمَعْني في جَماعَتِهم يَومَ القِيامةِ، وفي هذا رِفعةٌ وتَعظيمٌ وتشريفٌ لهم، والزُّمرةُ: الجَماعةُ، فقالتْ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَقِبَ دُعائِه بهذا الدُّعاءِ: "لِمَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إنَّهم يَدخُلونَ الجَنَّةَ قَبلَ أغنيائِهم بأربَعينَ خَريفًا" فهم يَدخُلونَ الجَنَّةَ قَبلَ الأغنياءِ بوَقتٍ طَويلٍ؛ ولَعَلَّ ذلك لِيُسرِ حِسابِ الفُقراءِ؛ لِقِلَّةِ ما كان عِندَهم في الدُّنيا، أمَّا الأغنياءُ فيَطولُ حِسابُهم على ما كان عِندَهم مِن مَتاعِ الدُّنيا، وهذا يَعني البُشرى لِلفُقراءِ بسُرعةِ دُخولِ الجنَّةِ، والحَثَّ لِلأغنياءِ على الاستِعدادِ لذلك المَوقِفِ بتَطييبِ مَكاسِبِهم. ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا عائِشةُ، لا تَرُدِّي المِسكينَ، ولو بشِقِّ تَمرةٍ" فأعطيه ما تَستَطعينَ وإنْ كانَ قَليلًا يُعادِلُ نِصفَ تَمرةٍ. "يا عائِشةُ، أحِبِّي المَساكينَ وقَرِّبِيهم" إليكِ بعَطفِكِ عليهم، والتَّصدُّقِ بما لديكِ؛ "فإنَّ اللهَ يُقرِّبُكِ يَومَ القِيامةِ" جَزاءً على تَقريبِكِ لِلمَساكينِ؛ فإنَّ الجزاءَ من جِنسِ العمَلِ. ففي هذا الحَديثِ دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يَكونَ مِسكينًا، وأنْ يَموتَ مِسكينًا، وأنْ يُحشَرَ معهم يَومَ القِيامةِ، ولكِنْ في أحاديثَ أُخرى كانَ يَستَعيذُ مِنَ الفَقرِ، ووَجهُ الجَمعِ: أنَّ الفَقرَ المُستَعاذَ منه هو الذي لا يُدرَكُ معه القُوتُ والكَفافُ، ولا يُستَقَرُّ معه في النَّفْسِ غِنًى؛ لِأنَّ الغِنَى عِندَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غِنَى النَّفْسِ. وفي الحَديثِ: الحَثُّ على حُبِّ المَساكينِ والفُقراءِ والإحسانِ إليهم. وفيه: فَضيلةُ فُقراءِ المُسلِمينَ.