الموسوعة الحديثية


- أنَّه شَهِدَ معاويةَ وعِندَه جَمْعٌ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال لهم معاويةُ: أَتَعْلَمونَ أنَّ رسولَ  اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن رُكوبِ جُلودِ النُّمورِ؟ قالوا: نعَمْ. قال: أَتَعْلَمونَ أنَّ رسولَ  اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن لُبْسِ الحريرِ؟ قالوا: اللَّهمَّ نعَمْ. قال: أَتَعْلَمونَ أنَّ رسولَ  اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى أنْ يُشرَبَ في آنيةِ الفِضَّةِ؟ قالوا: اللَّهمَّ نعَمْ. قال: أَتَعْلَمونَ أنَّ رسولَ  اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن لُبْسِ الذَّهبِ إلَّا مُقَطَّعًا؟ قالوا: اللَّهمَّ نعَمْ. قال: أَتَعْلَمونَ أنَّ رسولَ  اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن جَمْعٍ بيْن حَجٍّ وعُمْرةٍ؟ قالوا: اللَّهمَّ لا. قال: فواللهِ إنَّها لَمَعهُنَّ.
الراوي : معاوية بن أبي سفيان | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 16909 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه من طرق أبو داود (1794، 4239) مفرقاً مختصراً، والنسائي (5159) مختصراً، وأحمد (16909) واللفظ له
كانَ الصَّحابيُّ الجَليلُ مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنه كاتِبَ وَحْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد شَهِدَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمورًا كَثيرةً، وهو في هذا الحَديثِ يَذكُرُ لِأصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعضَ المَناهي، ويَستَشهِدُهم عليها، حيثُ يَروي التَّابِعيُّ أبو شَيخٍ الهُنائيُّ أنَّه شَهِدَ مُعاويةَ وعِندَه جَمعٌ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ لهم مُعاويةُ: "أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن رُكوبِ جُلودِ النُّمورِ؟"، أي: نَهى أنْ تُفرَشَ جُلودُها لِلجُلوسِ عليها، والنُّمورُ هي السِّباعُ، وهي أجرَأُ مِنَ الأُسْدِ وأخبَثُ منها، "قالوا: نَعَمْ" ولَعَلَّ سَبَبَ نَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنها أنَّ جِلدَها نَجَسٌ لا يَقبَلُ الدَّبغَ، وهو غَيرُ مُذَكًّى، أو أنَّ النَّهيَ مِن أجْلِ أنَّها مَركَبُ أهلِ الخُيَلاءِ والكِبرِ، وتَتَّخِذُها الأعاجِمُ لِباسَ زينةٍ، فنَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ التَّشَبُّهِ بهم، ولَعَلَّ أكثَرَ ما كانوا يأخُذونَ جُلودَ النُّمورِ إذا ماتَتْ؛ لِأنَّ اصطيادَها عَسِرٌ، فجَمَعَ بَينَ كَونِه جِلدَ مَيْتةٍ، وجِلدَ سَبُعٍ، وغَيرَ مَدبوغٍ، مع وُرودِ النَّهيِ عنه. قالَ مُعاويةُ رَضيَ اللهُ عنه: "أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن لُبسِ الحَريرِ؟ قالوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ" وهذا النَّهيُ العامُّ مُخَصَّصٌ بما وَرَدَ في الأحاديثِ المُتَّفَقِ عليها بأنَّ الحَريرَ والذَّهَبَ مُحرَّمانِ على الرِّجالِ، وليس على النِّساءِ، وقد رَوى التِّرمِذيُّ والنَّسائيُّ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "أُحِلَّ الذَّهَبُ والحَريرُ على الإناثِ مِن أُمَّتي، وحُرِّمَ على ذُكورِها"؛ فظَهَرَ بهذا أنَّ المَقصودَ بالنَّهيِ هو نَهيُ الرِّجالِ عن لُبسِ الذَّهَبِ الخالِصِ والحَريرِ الخالِصِ. قالَ مُعاويةُ رَضيَ اللهُ عنه: "أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى أنْ يُشرَبَ في آنيةِ الفِضَّةِ؟" وهي الأوعيةُ المَصنوعةُ مِنَ الفِضَّةِ الخالِصةِ "قالوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ" فوافَقوه على رَأْيِه في النَّهيِ عنِ الشُّربِ والأكْلِ في آنيةِ الفِضَّةِ، قالَ مُعاويةُ رَضيَ اللهُ عنه: "أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن لُبسِ الذَّهَبِ إلَّا مُقَطَّعًا؟"، أي: نَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن كَثرةِ الذَّهَبِ إلَّا ما كانَ قِطَعًا منه، مِثلَ الخاتَمِ والعِقدِ والسُّوارِ وما يَكونُ مِن خُيوطٍ في الثِّيابِ، وهذا فيما يَتعَلَّقُ بالنِّساءِ؛ لأنَّ الذَّهَبَ لِلرِّجالِ مُحرَّمٌ عليهم قَليلُه وكَثيرُه، إلَّا ما كانَ لِضَرورةٍ، وقيلَ: "مُقَطَّعًا": مُكَسَّرًا قِطعًا صَغيرةً مِثلَ الضِّبابِ على الأسلِحةِ والخَواتمِ الفِضِّيَّةِ وأعلامِ الثِّيابِ. وكُرِهَ مِن ذلك الكَثيرُ الذي هو عادةُ أهلِ السَّرَفِ، وزينةُ أهلِ الخُيَلاءِ والكِبْرِ، واليَسيرُ هو ما لا يَجِبُ فيه الزَّكاةُ، ويُشبِهُ أنْ يَكونَ إنَّما كُرِهَ استِعمالُ الكَثيرِ منه لِأنَّ صاحِبَه رُبَّما ضَنَّ بإخراجِ الزَّكاةِ منه، فيَأثَمُ، "قالوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ" شَهِدوا على حَديثِه، والنَّواهي التي ذَكَرَها. "قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن جَمعٍ بَينَ حَجٍّ وعُمرةٍ؟"أي: نَهى أنْ يُقرَنَ بَينَ الحَجِّ والعُمْرةِ في عامٍ واحدٍ في سَفْرةٍ واحدةٍ وحَجَّةٍ واحدةٍ؟ "قالوا: اللَّهُمَّ لا" ليس عِندَنا عِلمٌ بهذا، "قالَ: فواللهِ إنَّها لَمَعهُنَّ"، أي: مَعَهُنَّ في النَّهيِ، ولَعَلَّ مُعاويةَ تأوَّلَ أمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه في حَجَّتِه بالإحْلالِ، فشَقَّ عليهم ذلك، وكانَ قارِنًا، فقالَ: لوِ استَقبَلتُ مِن أمْري ما استَدبَرتُ ما سُقتُ الهَدْيَ، فحَمَلَ مُعاويةُ كَلامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على النَّهيِ، أوِ اشتَبَه عليه نَهيُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن مُتعةِ النِّساءِ بمُتعةِ الحَجِّ؛ ولهذا أنكَرَ الصَّحابةُ عليه ذلك.