الموسوعة الحديثية


- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لنسائِه: أيَّتُكُنَّ صاحبةُ الجَملِ الأدْبَبِ، تَخرُجُ فتَنبَحُها كلابُ الحُوَّبِ، يُقتَلُ عن يَمينِها وشِمالِها قَتْلى كثيرٌ، ثُم تَنْجو بعدما قد كادَتْ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 5611 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ يُوحَى إليه ببعْضِ ما سيَقَعُ في مُستقبَلِ الزَّمانِ مِن خَيرٍ أو شرٍّ وفِتَنٍ، وهذا مِن دَلائلِ نُبوءَتِه صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ. وقد أَخْبرَ في هذا الحَديثِ ببعْضِ هذه الفِتَنِ، فتَرْوي أمُّ المُؤمِنينَ عائشَةُ رَضِيَ اللهُ عنْها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لأزْواجِه: "أَيَّتُكُنَّ صاحِبةُ الجَمِلِ الأدْبَبِ؟"، وهو الجَمَلُ الكَثيرُ وبَرِ الوَجْهِ، وهذا استِفهامُ استِنكارٍ لِمَا سيَقَعُ مِن صاحِبةِ هذا الجَمَلِ التي ستَرْكَبُه، دُون تحْديدٍ لشَخْصِها، "تَخْرُجُ" مُسافِرةً على هذا الجَمَلِ، "فتَنْبَحُها كِلابُ الحَوْأَبِ"، وهو مَوْضِعٌ فيه مِياهٌ لبَني عامِرٍ في طريقِ البَصرةِ؛ "يُقْتَلُ عن يَمينِها وشِمالِها قَتْلى كَثيرٌ"، وهذا إشارةٌ إلى وُقوعِ مَعْركةٍ كَبيرةٍ حَوْلَها، أو بِسَبَبِها، "ثُمَّ تَنْجو بعْدَما قد كادَتْ"، أي: تَنْجو مِن المَوتِ بصُعوبةٍ بعْدَ أنْ كادَتْ تَهْلِكُ في الحَرْبِ التي حَوْلَها. وقد وَقَعَ ما أَخْبرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ؛ وذلك أنَّ عُثْمانَ لَمَّا قُتِلَ وبايعَ النَّاسُ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عنه بِالخِلافةِ خَرَجَ مِن الصَّحابةِ طَلْحةُ والزُّبَيرُ إلى مكَّةَ فَوجَدَا عائشةَ، وكانت قد حَجَّتْ، فاجْتَمَعوا على أنْ يَتوجَّهوا إلى البَصْرةِ، ويَسْتَنفِروا النَّاسَ أنْ يُطالِبوا بِدَمِ عُثْمانَ والقِصاصِ لِدَمِه، وخَرَجوا مِن مكَّةَ والمدينةِ بثَلاثةِ آلافٍ، وانضَمَّ إليهم في الطَّريقِ جُموعٌ مِن النَّاسِ. وفي مُسْنَدِ أحمدَ: أنَّه لمَّا نَزَلَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها ببعْضِ مِياهِ بَني عامِرٍ نَبَحَتْ عليْها الكِلَابُ، فقالَتْ: أيُّ ماءٍ هذا؟ قالوا: ماءُ الحَوْأَبِ"، فتَذَكَّرَتْ قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ وأَرادَتِ الرُّجُوعَ، فقال لها طَلْحةُ والزُّبَيرُ: "مَهْلًا رَحِمَكِ اللهُ! بل تُقْدِمينَ فَيَراكِ المُسْلِمونَ؛ فيُصْلِحُ اللهُ ذاتَ بَيْنِهم"، فأَكْمَلَتِ المَسيرَ، فكان ما كان مِن وَقْعةِ الجَمَلِ بَيْنَهم وبَيْنَ عليٍّ، وقُتِلَ فيها طَلْحةُ والزُّبَيرُ رَضِيَ اللهُ عنهم أَجْمَعينَ. وهذا الحَديثُ يَتضمَّنُ تَخْطِئةَ أمِّ المُؤمِنين عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها في الخُروجِ هي ومَن معها، وقد اعتَرَفَتْ بخَطَئِها، وأنَّ بَقاءَها في بَيْتِها كان الأَوْلى بها، وكانَتْ تَبْكي إذا تَذَكَّرَتْ مَسيرَها إلى البَصْرةِ. وإنْ كان خُروجَها ليس فيه مُخالَفةٌ للحَديثِ؛ فإنَّ الحديثَ يُشيرُ إلى أنَّها سوْف تكونُ في مَكانٍ تَقَعُ فيه فِتَنٌ ويَموتُ فيه كَثيرٌ مِن النَّاسِ، فلمَّا قَفَلَتْ عائدَةً ذَكَّرَها طَلْحَةُ والزُّبَيرُ بأهمِّيَّةِ مَوْقِفِها لتَحْقيقِ الصُّلْحِ الذي كان يَطْمَعُ النَّاسُ في حُصولِه بِبَرَكتِها، وتَقْديرِ النَّاسِ لها. ثُمَّ هذا لا يُنْقِصُ شَيئًا مِن فَضائلِها، بل هو في ذاتِه فِتْنةٌ للمَحْرومينَ مِن الإنْصافِ، والعَقْلِ، والدِّينِ؛ ولذلك قالَ عمَّارُ بنُ ياسِرٍ -كما في رِواية البُخاريِّ-: "واللهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أنَّها زَوْجةُ نَبيِّكم في الدُّنْيا والآخِرةِ، ولكنَّ اللهَ ابْتَلاكم بها؛ لِيَعْلَمَ إيَّاه تُطيعون أمْ هي".