الموسوعة الحديثية


- أنَّه أَتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه أهْدامٌ، فقال: ألكَ مالٌ؟ قال: من كلِّ المالِ قد آتاني اللهُ عزَّ وجلَّ، قال: فلْيُرَ عليكَ، ثُم قال: يا عوفُ بنَ مالكٍ، أليس تُنتَجُ إبلُكَ وهي صَحيحةٌ آذانُها، فتَعمِدَ فتُحرِّمَها إلى بعضِها فتَشُقَّ آذانَها، فتقولَ: هذه بُحُرٌ، ما جعَلَ اللهُ من بَحيرةٍ، وتَعمِدَ إلى بعضِها، فتَشُقَّ آذانَها، فتقولَ: هذه صُرُمٌ؟ قال: نَعم، قال: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ ساعِدَ اللهِ عزَّ وجلَّ أشدُّ من ساعِدِكَ، وموسى اللهِ عزَّ وجلَّ أحَدُّ من موساكَ، وكلَّ ما آتاكَ اللهُ حِلٌّ، فلا تُحرِّمْ من مالِكَ شيئًا.
الراوي : عوف بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 3042 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الإسلامُ دِينُ التَّوْحيدِ وإفْرادِ اللهِ سُبحانَه بالعِبادةِ والطَّاعةِ، وقد كان أهلُ الجاهليَّةِ يَفْعَلونَ ما يُنافي هذا التَّوْحيدَ، وكانوا يُشْرِكونَ معَ اللهِ آلِهةً وطَواغيتَ، ويُقدِّمونَ لها القَرابينَ والنُّذورَ والطَّاعاتِ، فجاء الإسْلامُ ونَهَى عن هذه الأفْعالِ الشِّرْكيَّةِ، وجعَلَ شَرْطَ العِبادةِ أنْ تكونَ خالِصةً للهِ الخالِقِ. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَوْفُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّه أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه أهْدامٌ"، وهي الأثْوابُ مُرَقَّعةً، "فقال: ألكَ مالٌ؟" يَسألُه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن كَوْنِه غَنيًّا أمْ فَقيرًا مُقارنةً بحالتِه التي يَظهَرُ فيها، فقال: "من كلِّ المالِ قد آتاني اللهُ عزَّ وجلَّ"، فأظهَرَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه غَنيٌّ ويَتنوَّعُ عندَه المالُ كالإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ ونَحوِه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فلْيُرَ عليكَ"، فأمَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُظهِرَ نِعمةَ اللهِ عليه في مَظهَرِه وثيابِه، والمَعنى: الْبَسْ ثوبًا جديدًا جيدًا؛ ثم قال: "يا عَوْفُ بنَ مالكٍ، أليس تُنتَجُ إبلُكَ وهي صَحيحةٌ آذانُها" بمَعنى: أنَّ الإبلَ في الأصْلِ تَكونُ صَحيحةً سَليمةَ الأُذنِ غيرَ مَجْروحةٍ أو مَقْطوعةٍ، "فتَعمِدُ فتُحَرِّمُها إلى بَعضِها فتَشُقُّ آذانَها" فكان يَقطَعُ آذانَ بعضِ إبلِه، "فتقولُ: هذه بُحُرٌ، ما جعَلَ اللهُ من بَحيرةٍ"، وهي الناقةُ التي كانت في الجاهليَّةِ إذا ولدَتْ خَمْسةَ أبطُنٍ شَقُّوا أُذُنَها وتَرَكوا الحَملَ عليها، ولم يَرْكَبوها، ولم يَجُزُّوا وَبَرَها، ولم يَمْنَعوها الماءَ والكَلأَ، تَقرُّبًا للأصْنامِ، "وتَعمِدُ إلى بعضِها، فتَشُقُّ آذانَها"، تَقطَعُ آذانَها، "فتقولُ: هذه صُرُمٌ؟" والمَعنى أنَّها مَصْرومةٌ ومَقْطوعةٌ لا يَنتَفِعُ بها أهْلُها تَقَرُّبًا للأصْنامِ، "قال: نَعم، قال: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ ساعِدَ اللهِ عزَّ وجلَّ أشَدُّ من ساعِدِكَ، ومُوسى اللهِ عزَّ وجلَّ أحَدُّ من موساكَ"، والمَعنى: لو شاء اللهُ أنْ يَخلُقَها ناقصةَ الأُذُنِ أو مَشْقوقَتَها لفعَلَ، ولكنَّه خلَقَها كاملةَ الأعْضاءِ، فلا يَجوزُ أنْ تَعمِدَ إلى تَشْويهِها، وقَطْعِ عُضوٍ منها، "وكلُّ ما آتاكَ اللهِ حِلٌّ، فلا تُحَرِّمْ من مالِكَ شيئًا"، يُبَيِّنُ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ انْتِفاءَ عاداتِ الجاهليَّةِ، وأنَّ كلَّ مالِ الإنْسانِ حَلالٌ له، ولا يَحرُمُ عليه منه شَيءٌ. والأمْرُ الذي في قولِه: (فلْيُرَ عليكَ)؛ فإنَّ ذاك من جُملةِ الشكْرِ لها، ولِيَعرِفَ الناسُ أنَّكَ غَنيٌّ، وليَقصِدَكَ المُحْتاجونَ لطلَبِ الزكاةِ، والصدَقاتِ، وقيلَ: هذا في تَحْسينِ الثيابِ بالتنْظيفِ، والتجْديدِ عندَ الإمْكانِ، من غَيرِ أنْ يُبالِغَ في النَّعامةِ والرِّقَّةِ، حتى لا يقَعَ في لُبسِ ثيابِ الشهْرةِ.