الموسوعة الحديثية


-  ثلاثةٌ أشهَدُ عليهم، والرابعةُ لو شَهدِتُ رَجَوتُ ألَّا آثَمَ: لا يَجعَلُ اللهُ عزَّ وجلَّ مَن له سهمٌ في الإسلامِ كمَن لا سَهْمَ له، وسِهامُ الإسلامِ: الصَّومُ، والصَّلاةُ، والصَّدَقةُ، ولا يتولَّى اللهُ عزَّ وجلَّ رَجُلًا في الدُّنيا فيولِّيهِ في الآخِرَةِ غيرَه، ولا يُحِبُّ رَجُلٌ قومًا إلَّا جاء معهم يومَ القيامةِ، والرابعةُ لا يستُرُ اللهُ عزَّ وجلَّ على عبدٍ في الدُّنيا إلَّا سَتَرَ عليه في الآخِرَةِ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 2185 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
ادَّخَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ لعِبادِه الصالِحينَ يومَ القيامةِ جَزيلَ الثوابِ والمَراتِبَ التي سيُنزِلُهم فيها دونَ غَيرِهم. وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ثلاثةٌ"، أي: ثلاثةُ حقائقَ أو ثلاثةُ أمورٍ، "أشهَدُ عليهم"، وشهادَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما للتأكيدِ على حَقيقتِها ووُقوعِها لإعْلامِ اللهِ عزَّ وجلَّ له بها، "والرابعةُ لو شَهِدْتُ رَجَوْتُ ألَّا آثَمَ" بمَعنى لا يقَعُ على قَسَمي فيها إثْمٌ أو ذَنبٌ: الأُولى: "لا يَجعَلُ اللهُ عزَّ وجلَّ مَن له سَهمٌ في الإسْلامِ كمَن لا سَهْمَ له"، والسهْمُ الحظُّ والنَّصيبُ، "وسِهامُ الإسْلامِ: الصومُ" وهو المَفْروضُ منه كرَمضانَ والكفَّاراتِ والنُّذورِ، وما كان تَطوُّعًا، "والصلاةُ" والمُرادُ: الفَرائضُ الخَمسُ، ويَشمَلُها ما كان منها تَطوُّعًا كالسُّنَنِ الرواتِبِ وقيامِ الليلِ، "والصدقةُ" سواءٌ كانت زَكاةً مَفْروضةً من زَكاةِ مالٍ أو فِطرٍ، ثم يدخُلُ فيها ما كان تَطوُّعًا، والمَعنى: أنَّه اللهُ تعالى لا يُسَوِّي بينَ مَن أتى بالثلاثِ أو بأحَدِها، وبينَ مَن لم يأْتِ بشيءٍ منها. وجعَلَ سِهامَ الإسْلامِ ثلاثةً شَمِلَت ثلاثةً من أرْكانِ الدِّينِ، ولم يذكُرِ الحجَّ والشهادةَ، أمَّا الشهادةُ فلِتَضَمُّنِ (الصلاةِ) لها، وأمَّا الحَجُّ؛ فلأنَّه لا يعُمُّ وُجوبُه، أو لنُدْرةِ الإتْيانِ به، فإنَّه مرةً في العُمرِ بخلافِ هذه الثلاثةِ فهي أُمَّهاتُ سِهامِ الإسْلامِ. والثانيةُ: "ولا يَتولَّى اللهُ عزَّ وجلَّ رجُلًا في الدُّنيا" وهو أنْ تكونَ عنايةُ اللهِ عزَّ وجلَّ وشُمولُه معَ تَوْفيقِه له لعَملِ الطاعاتِ، وتَركِ المُنكَراتِ، "فيُوَلِّيه في الآخِرةِ غَيرَه"، بمَعنى: يَترُكُه يومَ القيامةِ، بل يَتَوَلَّاه اللهُ عزَّ وجلَّ، ويَرفُقُ به في الآخِرةِ، وهو إشارةٌ إلى أنَّ مِثلَه يَأمَنُ العَذابَ لدُخولِه في رَحمةِ اللهِ. والثالثةُ: "ولا يُحِبُّ رجُلٌ قومًا إلَّا جاء معَهم يومَ القيامةِ"، والأمرُ على الشمولِ أخْيارًا كانوا، أو أشْرارًا، فإنَّ اللهَ يَجمَعُه بهم يومَ القيامةِ وخاصَّةً لمَن عَمِلَ بعَمَلِهم. "والرابعةُ: لا يَستُرُ اللهُ عزَّ وجلَّ على عبدٍ في الدُّنيا" يَطَّلِعُ تَعالى عليه بمَعصيةٍ فيَستُرُه عن عبادِه، ولم يَكشِفْه لهم، "إلَّا ستَرَ عليه في الآخِرةِ"، إلَّا أتَمَّ عليه سِترَه يومَ القيامةِ ولا يَفضَحُهُ على الأشْهادِ، وهي يومَئذٍ عُقوبةٌ على أصْحابِها، وما سَتَرَ عَبدَه في الدُّنيا إلَّا كَرَمًا منه، ورِفْقًا به، ورَحمةً له، وهو تَعالى في الآخِرةِ مُتَّصِفٌ بهذه الصفاتِ على أتَمِّ وُجوهِها، بل رَحمتُه هنالك تِسعةٌ وتِسعونَ رَحمةً، وفي الدُّنيا رَحمةٌ واحدةٌ. وفي الحديثِ: الحثُّ والترغيبُ على الصلاةِ، والصيامِ، والزكاةِ. وفيه: حثٌّ وتَرغيبٌ على حُبِّ الأخْيارِ، ومُصاحبَتِهم، والعَملِ بعَملِهم. وفيه: التحْذيرُ من كَشْفِ سِتْرِ اللهِ على عَبْدِه حتى لا يَستمرَّ في المَعْصيةِ.