الموسوعة الحديثية


- عَلَّمَني ابنُ مَسعودٍ التَّشهُّدَ، وقال: عَلَّمَنيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما يُعلِّمُنا السورةَ منَ القُرآنِ: التَّحيَّاتُ للهِ، والصَّلَواتُ والطَّيِّباتُ، السلامُ على النَّبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه، السلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ بَيْتِه، كما صَلَّيتَ على آلِ إبراهيمَ؛ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ علينا معهم، اللَّهُمَّ بارِكْ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ بَيتِهِ، كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ بارِكْ علينا معهم، صَلَواتُ اللهِ وَصَلاةُ المؤمنينَ على محمَّدٍ النَّبيِّ الأُمِّيِّ، السلامُ عليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه، قال: وكان مُجاهدٌ يقولُ: إذا سَلَّمَ، فبلَغَ: وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ، فقد سلَّمَ على أهلِ السَّماءِ والأرْضِ.
الراوي : ابن أبي ليلى أو أبو معمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 1338 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، وقد عَلَّمَنا النبيُّ الكَريمُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيفيَّتَها، وما يُقالُ فيها مِن أدعيةٍ، وكيف تُقالُ ومتَى، ومِن ذلك: التَّشهُّدُ بَعدَ الرَّكعتَيْنِ، أوِ التَّشهُّدُ الأخيرُ مِن كُلِّ صَلاةٍ، وهذا الحَديثُ فيه بَيانُ بَعضِ ذلك، حيثُ يَقولُ ابنُ أبي ليلى، أو أبو مَعمَرٍ: "عَلَّمَني ابنُ مَسعودٍ التَّشَهُّدَ"، والمُرادُ به التَّشهُّدُ الأوسَطُ أوِ الأخيرُ، "وقالَ: عَلَّمَنيه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما يُعَلِّمُنا السُّورةَ مِنَ القُرآنِ" فجَعَلْنا نَحفَظُه كما نَحفَظُ سُوَرَ القُرآنِ الكَريمِ؛ لِأهمِّيَّتِه، ثم ذَكَرَ صيغةَ التَّشَهُّدِ فقالَ: "التَّحيَّاتُ للهِ"، وهي جَمعُ تَحيَّةٍ، ومعناها: السَّلامُ، أوِ السَّلامةُ مِنَ الآفاتِ والنَّقصِ، وقيلَ: المُلْكُ، وقيلَ: البَقاءُ، وقيلَ: العَظَمةُ، وقيلَ: المُرادُ بالتَّحيَّاتِ أنواعُ التَّعظيمِ، والمَعنى: أنَّها كُلَّها مُستحَقَّةٌ للهِ تَعالى. "والصَّلَواتُ" قيلَ: المُرادُ: الصَّلواتُ الخَمسُ، وقيلَ: العِباداتُ كُلُّها، وقيلَ: الدَّعواتُ، وقيلَ: الرَّحمةُ، وقيلَ: التَّحيَّاتُ العِباداتُ القَوليَّةُ، والصَّلَواتُ العِباداتُ الفِعليَّةُ، والطَّيِّباتُ العِباداتُ الماليَّةُ "والطَّيِّباتُ" قيلَ: هي ما طابَ مِنَ الكَلامِ، وقيلَ: ذِكرُ اللهِ خاصَّةً، وقيلَ: الأعمالُ الصَّالِحةُ عامَّةً، وقَولُه: "السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه" إمَّا أنْ يَكونَ السَّلامُ الذي وُجِّهَ إلى الرُّسُلِ والأنبياءِ يَقَعُ عليكَ أيضًا أيُّها النبيُّ، أوِ السَّلامُ بمَعنى التَّحيَّةِ، فمَعناها: نُوجِّهُ إليكَ التَّحيَّةَ والسَّلامَ، وقيلَ: بمَعنى السَّلامةِ، فسَلِمْتَ مِن كُلِّ مَكروهٍ، وقيلَ: بمَعنى اسْمِ اللهِ، ومَعناه: التَّعويذُ باللهِ والتَّحصينُ به، وبَرَكةُ اسمِ اللهِ عليكَ، والبَرَكةُ: هي الزِّيادةُ في الخَيرِ، "السَّلامُ علينا" على أنْفُسِنا "وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ" وهمُ القائِمونَ بأمْرِ اللهِ وحُقوقِه وحُقوقِ عِبادِه؛ فعَلَّمَهم أنْ يُفْرِدوه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالذِّكرِ؛ لِشَرفِه ومَزيدِ حَقِّه عليهم، ثم عَلَّمَهم أنْ يَخُصُّوا أنفُسَهم؛ لِأنَّ الاهتمامَ بها أهَمُّ، ثم أمَرَهم بتَعميمِ السَّلامِ على الصَّالِحينَ؛ إعلامًا منه بأنَّ الدُّعاءَ لِلمُؤمِنينَ يَنبَغي أنْ يَكونَ شامِلًا لهم، وقَولُه: "أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ" وفي رِوايةِ أبي داودَ مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: زادَ: "وَحْدَه لا شَريكَ له"، فهذه هي الشَّهادةُ للهِ سُبحانَه بالتَّوحيدِ، وأنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا هو سُبحانَه. "وأشهَدُ أنَّ محمدًا عَبدُه ورَسولُه"، أُقِرُّ بأنَّ مُحمَّدَ بنَ عَبدِ اللهِ هو رَسولٌ مِن عِندِ اللهِ لِلناسِ أجمَعينَ، وهذا هو النِّصفُ الأوَّلُ مِنَ التَّشَهُّدِ الذي يُقالُ بَعدَ رَكعَتَيْنِ مِنَ الصَّلاةِ الثُّلاثيَّةِ أوِ الرُّباعيَّةِ. ثم يَأتي النِّصفُ الثاني مِنَ التَّشَهُّدِ، وهو الذي يُقالُ مع النِّصفِ الأوَّلِ في التَّشَهُّدِ الأخيرِ مِن كُلِّ صَلاةٍ. فقالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ بَيتِه، كما صَلَّيتَ على إبراهيمَ؛ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ" وهذا تَفسيرٌ لِلأمْرِ بالصَّلاةِ عليه والدُّعاءِ له، وبَيانٌ لكَيفيَّتِها، ومَعناه: اللَّهُمَّ عَظِّمْه في الدُّنيا بِإعلاءِ ذِكرِه، وإظهارِ دِينِه وإبقاءِ شَريعَتِه، وفي الآخِرةِ بِإجزالِ مَثوبَتِه وتَشفِيعِه في أُمَّتِه، وإبداءِ فَضيلَتِه بِالمقامِ المَحمودِ، كما عَظَّمْتَ الخَليلَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ. "اللَّهُمَّ بارِكْ علينا معهم"، والمَعنى: اللَّهُمَّ أثبِتْ له ولِآلِه وأدِمْ لهم ما أعطَيتَهم مِنَ التَّشريفِ والكَرامةِ، وزِدْهم مِنَ الكَمالاتِ ما يَليقُ بكَ وبهم، وأعطِنا معهم مِن هذه المَعاني الجَليلةِ "صَلواتُ اللهِ وصَلواتُ المُؤمِنينَ على محمدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ، السَّلامُ عليكم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه"، وهذا كُلُّه -مِن تَكرارِ المَعاني السَّابِقةِ- زيادةٌ في تَشريفِه وتَكريمِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ عَبدُ الوَهَّابِ بنُ مُجاهِدٍ، أحَدُ رُواةِ الحَديثِ: "وكانَ مُجاهِدٌ" وهو ابنُ جَبرٍ "يَقولُ: إذا سَلَّمَ" المُصلِّي في التَّشَهُّدِ "فبَلَغَ" قَولَه: "وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ"، وقالَه مع ما قَبلَه "فقد سَلَّمَ على أهلِ السَّماءِ وأهلِ الأرضِ"؛ لِأنَّه شَمِلَ السَّلامَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وآلِه وعلى نَفْسِه وعلى جَميعِ عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ في السَّماءِ والأرضِ، فشَمِلَ المَلائِكةَ والجِنَّ والإنسَ، فانتَفَعَ بهذا السَّلامِ كُلُّ عَبدٍ صالِحٍ في الأرضِ أوِ السَّماءِ.