الموسوعة الحديثية


- الفرارُ مِنَ الطاعونِ كالفِرارِ مِنَ الزَّحْفِ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 4282 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/198)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (10983)، وإسحاق بن راهويه في ((مسنده)) (1709).
جَعَلَ اللهُ سُبحانَه الأمراضَ والأوبِئةَ مِنَ المُكَفِّراتِ لِذُنوبِ المُسلِمينَ الصَّابِرينَ المُحتَسِبينَ، وقد أقامَ الشَّرعُ قَواعِدَ الحِمايةِ الصِّحِّيَّةِ وأُسُسَها؛ حتى لا تَنتَشِرَ الأوبِئةُ مِن مَكانٍ لِآخَرَ، كما يُبَيِّنُ هذا الحَديثُ، حيث يَقولُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الفِرارُ مِنَ الطَّاعونِ كالفِرارِ مِنَ الزَّحفِ"، والطَّاعونُ هو المَرَضُ العامُّ، والوَباءُ الذي يَفسَدُ له الهَواءُ، فتَفسَدُ به الأمزِجةُ والأبدانُ، أو هو مَرَضٌ يَكونُ في الجِسمِ على شَكلِ وَرَمٍ، يَظهَرُ في المَناطِقِ الرَّقيقةِ مِنَ الجِسمِ وتَحتَ الآباطِ، وقد يَخرُجُ في الأيدي والأصابِعِ وحيث شاءَ اللهُ. ومعنى الحَديثِ: أنَّ الهُروبَ مِن مَكانِ الوَباءِ يُشبِهُ الهارِبَ مِن أرضِ المَعرَكةِ، ومِنَ الحَربِ ضِدَّ الأعداءِ، وهذه كَبيرةٌ مِنَ الكَبائِرِ، ولا بُدَّ لها مِن تَوبةٍ؛ لِأنَّه قد يَكونُ مُصابًا بالمَرَضِ، فيَنقُلُه إلى مَكانٍ آخَرَ، ويَنشُرُ الوَباءَ؛ فيَتسَبَّبُ في ضَرَرٍ بالِغٍ لِلنَّاسِ، مع ما في ذلك مِنَ الهُروبِ مِن قَدَرِ اللهِ، مع سُوءِ الظَّنِّ باللهِ سُبحانَه والتَّعَلُّقِ بأسبابِ الدُّنيا فَقَطْ. وكذلك مَن كانَ خارِجَ أرضِ الوَباءِ لا يَنبَغي له دُخولُها، كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إذا سَمِعتُم به بأرضٍ، فلا تَقْدَموا عليه، وإذا وقَعَ بأرضٍ وأنتم بها، فلا تَخرُجوا فِرارًا منه"، مُتَّفَقٌ عليه. وهكذا فإنَّ هذا التَّشريعَ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقيمُ نِظامَ الحِمايةِ والحَجْرِ الصِّحِّيِّ؛ حتى لا يَنتَشِرَ الوَباءُ، ومع ذلك فقد جَعلَ اللهُ لِلصَّبرِ والاحتِسابِ أجْرًا عَظيمًا، كما حَذَّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الانتِقالِ مِن مَكانِ الوَباءِ، فعالَجَ المَوضوعَ مِن جِهةِ الطِّبِّ، ومِن جِهةِ الوازِعِ الأخلاقيِّ، وجَعَلَ الضَّميرَ الإنسانيَّ مَسؤولًا عن أفعالِه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ اهتِمامِ الشَّرعِ بحِمايةِ المُجتَمَعاتِ مِنَ الأوبِئةِ.
وفيه: سَبقُ الإسلامِ في وَضعِ نِظامِ الحَجْرِ الصِّحِّيِّ؛ لِتَحجيمِ الوَباءِ.