الموسوعة الحديثية


- لمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، أو: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245]، قال أبو طَلْحةَ: يا رسولَ اللهِ، حائِطي في مَكانِ كذا وكذا صَدَقةٌ للهِ تَعالى، ولوِ استَطَعتُ أنْ أُسِرَّه لم أُعلِنْه، قال: اجْعَلْه في فُقَراءِ أهْلِ بَيتِكَ وأقارِبِكَ، فجعَلَها لأُبَيِّ بنِ كَعبٍ، وحسَّانَ بنِ ثابتٍ، وكانا أقرَبَ إليه مِنِّي.
الراوي : أنس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 4422 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
للقَرابةِ حُقوقٌ عَظيمةٌ، وهي أوْلَى بالتَّقديمِ في كُلِّ خَيرٍ، والقَرابةُ هي كُلُّ ذِي رَحِمٍ مِن قِبَلِ الأبِ أوِ الأُمِّ، ولكنْ يُبدَأُ بقَرابةِ الأبِ قَبلَ قَرابةِ الأُمِّ، ويُقَدَّمُ مَن قَرُبَ على مَن بَعُدَ في إعطاءِ الخَيرِ والمَعروفِ. وفي هذا الحَديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه: "لَمَّا نَزَلتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، أو: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245]، والمعنى: لن تَنالوا الخَيرَ وتَحصُلوا على الثَّوابِ إلَّا بالإنفاقِ مِمَّا تُحِبُّونَ مِن أموالِكم، وتُنفِقوا في سَبيلِ اللهِ بالقَرضِ الحَسَنِ والنَّفَقةِ الخالِصةِ التي ليس فيها رياءٌ ولا مِنَّةٌ على الناسِ. وتَنَزَّهَ اللهُ سُبحانَه أنْ يَطلُبَ المالَ لِنَفْسِه، ولكنَّه أمَرَ الأغنياءَ بإعطاءِ الفُقَراءِ، ووعَدَهم على ذلك الأجْرَ العَظيمَ. قالَ أبو طَلحةَ: "يا رَسولَ اللهِ، حائِطي" وهو بُستانٌ وحَديقةٌ له "في مَكانِ كذا وكذا صَدَقةٌ للهِ تَعالى"، يُريدُ أنْ يُنفِقَها في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ استِجابةً لِتلك الآيةِ؛ لِيَطلُبَ بها الخَيرَ، ويَدَّخِرَ أجْرَها له عِندَ اللهِ تعالَى، "ولوِ استَطَعتُ أنْ أُسِرَّه لم أُعْلِنْه"، أي: لأنفقتُه في السِّرِّ ولم أُعلِمْ به أحَدًا؛ حتى تَكونَ الصَّدَقةُ أكثَرَ إخلاصًا لِوَجهِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأكثَرَ أجْرًا وأعظَمَ ثَوابًا، كما قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 271]. "قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اجْعَلْه في فُقَراءِ أهلِ بَيتِكَ وأقارِبِكَ"، أي: أنفِقْها واقْسِمْها في أهلِكَ وأقرِبائِكَ؛ وذلك لِأنَّ الأقرَبينَ أوْلَى بالمَعروفِ، والصدقةُ عليهم صَدقةٌ وصِلةٌ، فجَعَلَها أبو طَلحةَ "لأُبَيِّ بنِ كَعبٍ، وحَسَّانَ بنِ ثابِتٍ"، وهم مِن بَني عُمومَتِه "وكانا أقرَبَ إليه منِّي"، حيث كان أنَسُ بنُ مالِكٍ ابنَ زَوجةِ أبي طَلحةَ، أُمِّ سُلَيمٍ. وهكذا يَنبَغي لِلإنسانِ أنْ يَكونَ ذا هِمَّةٍ عاليةٍ، وأنْ يُنفِقَ مِن أطيَبِ مالِه، وممَّا يُحِبُّ مِن مالِه. وهناك فَرقٌ بَينَ الأطيَبِ وبَينَ الذي يُحَبُّ؛ فالغالِبُ أنَّ الإنسانَ لا يُحِبُّ إلَّا أطيَبَ مالِه، لكِنْ أحيانًا يَتعَلَّقُ قَلبُه بشَيءٍ مِن مالِه وليس أطيَبَ مالِه، فإذا أنفَقَ مِنَ الطَّيِّبِ الذي هو مَحبوبٌ لِعامَّةِ النَّاسِ وممَّا يُحِبُّه هو بنَفْسِه، وإنْ لم يَكُنْ مِنَ الطَّيِّبِ، كانَ ذلك دَليلًا على أنَّه صادِقٌ فيما عامَلَ اللهَ به، وهو ما فعَلَه أبو طَلحةَ رَضيَ اللهُ عنه، حينما تَصدَّقَ ببُستانِه، وأخبَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ صَدَقَتَه في أقارِبِه أفضَلُ، وأنَّه بذلك سَيَربَحُ مالَه في الآخِرةِ. وفي الحَديثِ: مُشاوَرةُ أهلِ الفَضلِ في كيفيَّةِ الصَّدقةِ والطَّاعةِ. وفيه: دَعوةٌ للإنفاقِ مِن أحَبِّ المالِ وأعَزِّه على صاحِبِه.