الموسوعة الحديثية


- نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَتَناجى اثنانِ دونَ الثَّالِثِ، إذا لم يكن معهم غَيرُهم. قال: ونَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَخلُفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في مَجلِسِه، وقال: إذا رَجَعَ، فهو أحَقُّ به.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 4874 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6288)، ومسلم (2183)، وابن ماجه (3776) مختصراً، وأحمد (4874) واللفظ له
حثَّتِ شَريعةُ الإسلامِ المُطهَّرةُ على كُلِّ ما يَكونُ سَببًا لتَأليفِ قُلوبِ المُسلِمينَ بَعضِهِم على بَعضٍ، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِعَدَدٍ منَ الأخْلاقيَّاتِ والآدابِ التي تَحفَظُ العَلاقاتِ بيْنَ النَّاسِ؛ حيثُ قال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَتَناجى اثنانِ دُونَ الثَّالِثِ" وهذا نَهيٌ عن تَناجي الرَّجُلَينِ، ويَترُكانِ مَن مَعَهُما؛ والتَّناجي هو أنْ يُكلِّمَ الرَّجُلُ الآخَرَ سِرًّا بحُضُورِ ثالثٍ، وإنْ كانتِ النَّجْوى في مُباحٍ، ثمَّ بيَّنَ عِلَّةَ هذا النَّهيِ، وبيَّنَ عِلَّةَ النَّهيِ في روايةِ الصَّحيحَينِ من حَديثِ ابنِ مَسْعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "فإنَّ ذلِكَ يُحزِنُهُ" ويُشعِرُهُ بالغَضَبِ وعَدَمِ الرِّضا، لِمَا قد يُوَسْوِسُ له به الشَّيطانُ مِن أنَّهما يَتناجيانِ للإضْرارِ به، أو يَحزَنُ؛ لاختِصاصِ غَيرِهِ بالمُناجاةِ، وبَيَّنتِ الرِّواياتُ أنَّ النَّهيَ يَزولُ إذا كانوا في جَماعةٍ وخُلْطَةٍ بالنَّاسِ؛ لِزَوالِ الرِّيبةِ كما في رِوايةِ الصَّحيحينِ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه، فقال: "إذا كُنتُم ثَلاثَةً، فَلا يَتَناجَى اثنانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ".
ثُمَّ قالَ ابنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "ونَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَخلُفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في مَجلِسِهِ" بمَعْنى أنْ يَقعُدَ أحَدٌ مَكانَ غَيرِهِ، ويَأخُذَ حَقَّهُ في مَجلِسِهِ إذا قامَ الأوَّلُ، وهو مُرِيدٌ للرُّجوعِ إلى مَكانِهِ مرَّةً أُخْرى قَريبًا كأنَّه قامَ لِيتوضَّأَ أو لِيَقضِيَ شُغلًا يسيرًا، أو ترَكَ في مَكانِهِ شَيئًا من مَتاعِهِ، "وقالَ: إذا رجَعَ" خاصَّةً إذا صرَّحَ بالرُّجوعِ لِمَجلِسِهِ، "فهو أحَقُّ به" بمَعْنى أحقَّ بمَكانِهِ الَّذي كان يَجلِسُ فيه، وهذا من العَدْلِ بيْنَ النَّاسِ، وإظْهارُ التَّقْديرِ والاحتِرامِ لِبَعضِهِم، وعَدَمِ الجَورِ على أقَلِّ الحُقوقِ الخاصَّةِ مهما كانت، وعلى النَّاسِ أنْ يُوسِعُوا ويُفسِحوا لِبَعضِهِم البَعضِ في المَجالِسِ نَزْعًا للشِّقاقِ وإظْهارًا للمَودَّةِ فيما بيْنَهم.
وفي الحَديثِ: إرْشادٌ إلى سدِّ الذَّرائِعِ المُؤدِّيةِ إلى إفْسادِ القُلوبِ وإفْسادِ العَلاقاتِ بيْنَ النَّاسِ.
وفيه: التَّغْليظُ والتَّحْذيرُ في استِحْلالِ حُقوقِ النَّاسِ بغَيرِ وَجهِ حَقٍّ، وألَّا يُستَهانَ بأمْرِهِ .