الموسوعة الحديثية


- كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسيرُ في طَريقِ مكةَ، فأتى على جُمدانَ، فقال: هذا جُمدانُ، سيروا، سبَقَ المُفَرِّدونَ. قالوا: وما المُفَرِّدونَ؟ قال: الذَّاكِرون اللهَ كثيرًا. ثم قال: اللَّهمَّ اغْفِرْ للمُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ؟ قال: اللَّهمَّ اغْفِرْ للمُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ؟ قال: والمُقَصِّرينَ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 9332 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1728) مختصراً، ومسلم (1302، 2676) مفرقاً باختلاف يسير
ذِكرُ اللهِ تَعالَى كثيرًا مِن أفضلِ الأعمالِ وأَيسرِها كذلك، وفي هَذا الحَديثِ حثٌّ على كَثرةِ ذِكرِ اللهِ تَعالى، وبيانٌ لبعضِ فَضائِلِ الذَّاكرينَ اللهَ كَثيرًا؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ "يَسيرُ في طَريقِ مَكَّةَ" مُسافرًا لها منَ المَدينةِ، "فأَتَى على جُمْدانَ، فقال: هذا جُمْدانُ" وَهو جَبلٌ يَمتَدُّ مِنَ الجَنوبِ إلى الشَّمالِ في الحدِّ الغَربيِّ مِن مُحافَظةِ خُلَيصَ التَّابعةِ لمِنطَقةِ مَكَّةَ المكرَّمةِ حاليًّا، وبَينَ هذا الجبلِ وبَينَ مكَّةَ نَحوُ 100 كيلو، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "سيروا، سبَقَ المُفَرِّدونَ! قالوا: وما المُفَرِّدونَ؟ قال: الذاكِرونَ اللهَ كَثيرًا"، فأَجابَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنَّ التَّفْريدَ الحَقيقيَّ المُعتَدَّ لَه هو تَفْريدُ النَّفْسِ بذِكرِ اللهِ تَعالى في أَكثرِ الأوْقاتِ، فكأنَّهم قالوا: ما صِفةُ المُفرِّدينَ حتَّى نَتَأسَّى بِهم فنَسبِقَ إلى ما سَبَقوا إليهِ، ونَطَّلِعَ على ما اطَّلَعوا عليه؟ فقال: الذَّاكِرونَ اللهَ ذِكْرًا كَثيرًا" في أكثرِ أَحْوالِهم، وهمُ المُفَرِّدونَ أَنفُسَهم عن أَقْرانِهم، المُميِّزونَ أحْوالَهم عن إخْوانِهم بنَيلِ الزُّلْفى والعُروجِ إلى الدَّرجاتِ العُلا؛ لأنَّهم أُفرِدُوا بذِكْرِ اللهِ عمَّن لم يَذكُرِ اللهَ، أو جَعَلوا رَبَّهم فَرْدًا بالذِّكْرِ، وتَرَكوا ذِكرَ ما سِواه، والمُفرِّدونَ هُمُ الذين هَلكَ أَقْرانُهم وانْفَرَدوا عنهم فَبَقوا يَذكُرونَ اللهَ تَعالَى.
ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغفِرْ للمُحَلِّقينَ" وهمُ الذين أزالوا كُلَّ شَعرِهم من أُصولِه في الحَجِّ أو العُمرةِ، "قالوا: والمُقَصِّرينَ؟" وهمُ الذين أخَذوا وقَصُّوا جُزءًا من شَعرِهم وأبْقَوْا بعضَه؛ فالحَلقُ والتَّقْصيرُ شَعيرةُ الإحْلالِ لمَن حجَّ أوِ اعتمَرَ، "قال: اللَّهُمَّ اغفِرْ للمُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ؟ قال: والمُقَصِّرينَ"، فكرَّرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدُّعاءَ ثَلاثًا للمُحَلِّقينَ، ودَعا مرةً واحدةً للمُقَصِّرينَ؛ وذلك لبيانِ فَضيلةِ الحَلقِ على التقصيرِ، ووَجْهُ ذلك: أنَّ الحلقَ أبلَغُ في العِبادةِ، وأدَلُّ على صِدْقِ النِّيَّةِ في التَّذلُّلِ للهِ تعالَى؛ ولأنَّ المُقصِّرَ مُبْقٍ على الشَّعرِ الذي هو زِينةٌ، والحاجُّ مأمورٌ بتَركِ الزِّينةِ، بل هو أشعَثُ أغبَرُ .