الموسوعة الحديثية


- إنِّي قاعدٌ إلى جَنبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا، إذ أُوحيَ إليه، قال: وغَشيَتْه السَّكينةُ، ووقَعَ فَخِذُه على فَخِذي حين غَشيَتْه السَّكينةُ، قال زَيدٌ: فلا واللهِ ما وجَدْتُ شيئًا قَطُّ أثقَلَ من فَخِذِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُم سُرِّيَ عنه، فقال: اكتُبْ يا زَيْدُ، فأخَذْتُ كَتِفًا، فقال: اكتُبْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] {وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95]، الآيةَ كلَّها إلى قولِه: {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، فكتَبْتُ ذلك في كَتِفٍ، فقامَ حينَ سمِعَها ابنُ أُمِّ مَكتومٍ، وكان رَجُلًا أَعْمى، فقامَ حينَ سمِعَ فَضيلةَ المُجاهِدينَ، قال: يا رسولَ اللهِ، فكيف بمَن لا يَستَطيعُ الجِهادَ ممَّن هو أَعْمى وأشباهُ ذلك؟ قال زَيدٌ: فواللهِ ما قَضى كَلامَه، أو ما هو إلَّا أنْ قَضى كَلامَه، غَشِيَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السَّكينةُ، فوقَعَتْ فَخِذُه على فَخِذي، فوجَدْتُ من ثِقَلِها كما وجَدْتُ في المرَّةِ الأُولى، ثُم سُرِّيَ عنه، فقال: اقرَأْ، فقرَأْتُ عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] {وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95]، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] فأَلحَقْتُها، فواللهِ لَكأنِّي أنظُرُ إلى مُلحَقِها عندَ صَدعٍ كان في الكَتِفِ.
الراوي : زيد بن ثابت | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 21664 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (2832)، والترمذي (3033)، والنسائي (3099)، وأحمد (21664) واللفظ له
كَتَبَ اللهُ تَعالى على المؤمِنينَ الجِهادَ؛ لإعْلاءِ كلمتِه، ونَشْرِ دِينِه، ولَمَّا كان الجِهادُ مِن أفضلِ الأعمالِ التي يَعْمَلُها المؤمِنُ، فَضَّلَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى المُجاهِدينَ على القاعِدينَ، ولم يَجْعَلْهما سواءً.
وفي هذا الحديثِ يقولُ زَيدُ بنُ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه: "إنِّي قاعدٌ إلى جَنبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا؛ إذْ أُوحيَ إليه"، أي: جاءه الوَحيُ ونزَلَ عليه منَ اللهِ تعالَى، وقد جاء في الصَّحيحَينِ الصورةُ التي يَأْتي عليها الوَحيُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فكانٍ يَأْتي مِثلَ صَلْصَلةِ الجرَسِ، وهو أشَدُّه عليه، وأحيانًا يَتمثَّلُ المَلَكُ في صورةِ رَجُلٍ، "قال: وغَشِيَتْه السَّكينةُ"، وهي هدوءُ النفْسِ معَ ما يُشبِهُ النومَ، "ووقَعَ فَخِذُه على فَخِذي حينَ غَشِيَتْه السَّكينةُ" وكان فَخِذُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحمَّلًا على فَخِذِ زَيدٍ رضِيَ اللهُ عنه كحالِ بعضِ الجالِسينَ المُتقارِبينَ، "قال زَيدٌ: فلا واللهِ ما وجدْتُ شيئًا قطُّ أثقَلَ من فَخِذِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"؛ وذلك لثِقَلِ الوَحيِ المُنزَّلِ على قَلبِه، "ثم سُرِّيَ عنه"، فرُفِعَ عنه الوَحيُ وأفاقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقال: اكتُبْ يا زَيدُ"، وكان زَيدُ بنُ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه من كَتَبةِ الوَحيِ، قال زيدٌ: "فأخذْتُ كَتِفًا"، وهي عِظامٌ عَريضةٌ مُجَفَّفةٌ من عِظامِ كَتِفِ ذَبيحةٍ، وكانتْ منَ الأشياءِ التي يُكتَبُ عليها قديمًا، "فقال: اكتُبْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وهمُ المُتخلِّفونَ عنِ الجِهادِ، {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]"، وهذا الكَلامُ دَليلٌ على أنَّ كُلَّ ناهِضٍ إلى الجِهادِ لا يَستَوي معَ القاعِدِ عنه.
قال زَيدٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فكتَبْتُ ذلك في كَتِفٍ" وهي عِظامٌ عَريضةٌ من كَتِفِ حَيوانٍ مَذْبوحٍ، "فقامَ حينَ سَمِعَها ابنُ أُمِّ مَكتومٍ، وكان رَجُلًا أعْمى، فقامَ حينَ سَمِعَ فَضيلةَ المُجاهِدينَ"، وما أعْطاهمُ اللهُ منَ الفَضلِ والأجْرِ، "قال: يا رسولَ اللهِ، فكيف بمَن لا يَستَطيعُ الجِهادَ ممَّن هو أعْمى، وأشْباهِ ذلك؟" ممَّن لهم أعْذارٌ مانعةٌ لهم عنِ الخُروجِ للجِهادِ، "قال زَيْدٌ: فواللهِ ما قَضَى كلامَه، أو ما هو إلَّا أنْ قَضى كلامَه"، بمَعنى: بمُجرَّدِ أنِ انْتَهى ابنُ أُمِّ مَكْتومٍ رضِيَ اللهُ عنه من كلامِه، "غَشِيَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السَّكينةُ"، ونزَلَ عليه الوَحيُ مرةً أُخْرى، "فوقعَتْ فَخِذُه على فَخِذي، فوجدْتُ من ثِقَلِها كما وجدْتُ في المرةِ الأُولى، ثم سُرِّيَ عنه"، وانكشَفَ الوَحْيُ عنه، "فقال: اقرَأْ"، أي: ما كتَبْتَه قبْلَ ذلك "فقرأْتُ عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] {وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95]، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]" يَعني: غيرُ مَن لهم عُذْرٌ في تَركِ الجهادِ كالأعْمَى والأعْرَجِ؛ فإنَّهم مَعذورون وقد ينالون الأَجْرَ بنِيَّتِهم إذ حبَسَهم عنِ الجِهادِ العذرُ، فألْحَقَ زيدٌ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بكِتابتِها في مَوضِعِها منَ الآيةِ، ثُمَّ قال زَيْدٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فواللهِ لكأنِّي أنظُرُ إلى مُلحَقِها" مكانِ كتابتِها وإضافتِها "عندَ صَدعٍ كان في الكَتِفِ" عندَ شَرخٍ في عِظامِ الكَتِفِ التي كتبْتُ عليها.
وفي الحديثِ: أنَّ مَن حبَسَه العُذرُ عنِ الجِهادِ وغيرِه مِن أعمالِ البِرِّ؛ يَبلُغُ بنيَّتِه الصَّالحةِ أجْرَ العامِلِ إذا كان لا يَستطيعُ العملَ الذي يَنْويه .