الموسوعة الحديثية


- عن محمودِ بنِ لَبيدٍ قال : لمَّا قدِم أبو الحَيْسرِ أنسُ بنُ رافعٍ مكَّةَ ومعه فِتيةٌ من بني عبدِ الأشهلِ فيهم إياسُ بنُ معاذٍ يلتمِسون الحِلفَ من قريشٍ على قومِهم من الخزرجِ سمِع بهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم فأتاهم فجلس إليهم فقال : هل لكم إلى خيرٍ ممَّا جئتم له ؟ قالوا : وما ذاك ؟ قال : أنا رسولُ اللهِ بعثني إلى العبادِ أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا ، ثمَّ ذكر لهم الإسلامَ وتلا عليهم القرآنَ ، فقال إياسُ بنُ معاذٍ : يا قومِ هذا واللهِ خيرٌ ممَّا جئتم له ، فأخذ أبو الحَيْسرِ حِفنةً من البطحاءِ فضرب وجهَه بها وقال : دَعْنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغيرِ هذا ، فسكت وقام وانصرفوا ، فكانت وقعةُ بُعاثٍ بين الأوسِ والخزرجِ ، ثمَّ لم يلبَثْ إياسُ بنُ معاذٍ أن هلك ، قال محمودُ بنُ لَبيدٍ : فأخبرني من حضره من قومِه أنَّهم لم يزالوا يسمعونه يُهلِّلُ اللهَ ويُكبِّرُه ويحمَدُه ويُسبِّحُه فكانوا لا يشُكُّون أنَّه مات مسلمًا
الراوي : محمود بن لبيد الأنصاري | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الإصابة في تمييز الصحابة | الصفحة أو الرقم : 1/91 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعرِضُ الإسلامَ على أهلِ مكَّةَ ومَن وفَدَ إليها مِن الناسِ، ومِن بينِهم أهلُ المدينةِ، الذين كانوا يأتُونَ كسائرِ العربِ للحَجِّ والتِّجارةِ وطلبِ العونِ والمساندةِ مِن قريشٍ سادةِ العربِ، وقد آمَنَ منهم البعضُ وماتوا قبلَ هجرةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهم كما يُبيِّنُ هذا الحديثُ؛ حيثُ يَروي محمودُ بنُ لَبِيدٍ الأنصاريُّ قال: "لمَّا قَدِمَ أبو الحَيْسَرِ أنسُ بنُ رافعٍ مكَّةَ ومعه فِتيةٌ مِن بَني عبدِ الأَشْهَلِ"، وهو مِن الأَوْسِ مِن أهلِ المدينةِ، "فيهم إياسُ بنُ معاذٍ، يَلتمِسونَ الحِلْفَ" بالنُّصرةِ والتقَوِّي "مِن قُريشٍ على قومِهم مِن الخَزْرَجِ"، والأَوسُ والخَزْرجُ قبيلَتانِ كانتا بالمدينةِ، وكانتْ بينَهم الحروبُ القبَليَّةُ، فلمَّا آوَوْا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هِجرتِه مِن مكَّةَ إلى المدينةِ ودخَلوا الإسلامَ، حَلَّ بهم الأمنُ والسلامُ، وعُرِفوا بعدَ ذلك بالأَنصارِ، "سَمِع بهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ، فأتاهُم فجلَسَ إليهم"؛ لِيدْعوَهم إلى الإسلامِ، "فقال: هل لكم إلى خيرٍ ممَّا جِئتُم له؟" أفضَلَ مِن طلبِ الحِلفِ والنُّصرةِ مِن قُريشٍ للحربِ على بعضِكم البعضَ، "قالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسولُ اللهِ، بعَثَني إلى العِبادِ أدْعوهم إلى أنْ يعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا" مِن الأصنامِ أو الأوثانِ ممَّا كان يعبُدُه الناسُ، "ثمَّ ذكَرَ لهم الإسلامَ، وتلا عليهم القرآنَ، فقال إياسُ بنُ معاذٍ: يا قومِ، هذا واللهِ خيرٌ ممَّا جئتُم له، فأخَذَ أبو الحَيْسَرِ" وهو: أنسُ بنُ رافعِ بنِ امرِئِ القَيسِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ الأشهَلِ "حِفْنةً مِن البَطْحاءِ" فمَلَأ كفَّيْهِ بالرِّمالِ والحصى الصغيرِ "فضرَبَ وجْهَه بها، وقال: دَعْنا منك" وابتعِدْ بكلامِك ورأيِك، وأقْسَمَ "فلَعَمْري لقد جئْنا لغيرِ هذا، فسكَتَ وقام وانصرَفوا، فكانتْ وَقْعةُ بُعاثَ بينَ الأَوسِ والخَزرجِ"، وذلك قبلَ الهجرةِ بخمسِ سنينَ، "ثمَّ لم يَلبَثْ إياسُ بنُ معاذٍ أنْ هلَكَ" ومات، "قال محمودُ بنُ لَبيدٍ: فأخبَرَني مَن حضَرَه مِن قومِه أنَّهم لم يَزالوا يَسمَعونَه يُهلِّلُ اللهَ ويُكبِّرُه ويَحمَدُه ويُسبِّحُه" عندَ موتِه، "فكانوا لا يشُكُّونَ أنَّه مات مسلمًا"، وأنَّه قَبِلَ دعوةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منذُ عرَضَ عليهم الإسلامَ في مكَّةَ قبلَ الهجرةِ، وقيل: إنَّه مختلَفٌ في إسلامِه.
وفي الحديثِ: مَنقَبةٌ لإياسِ بنِ معاذٍ، وأنَّه مات موحِّدًا على الإسلامِ .