الموسوعة الحديثية


- أفاءَ اللهُ خَيبَرَ على رَسولِه، فأقَرَّهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجعَلَها بَينَه وبَينَهُم، فبَعَثَ عَبدَ اللهِ بْنَ رَواحةَ فخرَصَها عليهم، ثم قال: يا مَعشَرَ يَهودَ، أنتُم أبغَضُ الخَلْقِ إليَّ، قتَلتُم أنبياءَ اللهِ، وكَذَبتُم على اللهِ، وليس يَحمِلُني بُغْضي إيَّاكم أنْ أَحيفَ عليكم، قد خَرَصتُ عِشرينَ ألْفَ وَسْقٍ من تَمرٍ، فإنْ شِئتُم فلكُم، وإنْ أبَيتُم فلي، قالوا: بهذا قامَتِ السَّمَواتُ والأرضُ، قد أخَذْناها، قال: فاخْرُجوا عنَّا.
الراوي : جابر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 2050 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
عُرِفَ اليَهودُ مِنذُ القِدَمِ بأنَّهم ليس لهم عَهدٌ، وبمُماطلتِهم في الحَقِّ، وجَورِ بَعضِهم على حَقِّ بَعضٍ، وعلى حُقوقِ غَيرِهِم، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أبصَرَ النَّاسِ بهم وبمَكرِهِم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "أفاءَ اللهُ خَيبَرَ على رَسولِهِ" بعدَ الانتِصارِ على يَهودَ خَيبَرَ، وهي مَكانٌ على ثَمانيةِ بُرُدٍ مِن المدينةِ مِن جِهةِ الشَّامِ، وكانتْ غَزْوةُ خَيبَرَ في السَّنةِ السَّابعةِ مِن الهِجْرةِ بيْنَ المُسلِمينَ واليَهودِ، "فأقَرَّهُم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجعَلَها بيْنَه وبيْنَهم" فجعَلَهُم يَزْرَعونَها ولهم النِّصْفُ من ثِمارِها، وللمُسلِمينَ النِّصفُ، وكان النِّصفُ الَّذي للمُسلِمينَ يُوزَّعُ، على السُّهْمانِ فيَأخُذُ كُلُّ مَن حارَبَ نَصيبَهُ، مِن نصْفِ الثَّمَرِ الَّذي اتَّفقوا معَ اليَهودِ عليه، ويأخُذُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خُمُسَ النِّصْفِ لِقَولِهِ تَعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]، "فبعَثَ عبدَ اللهِ بنَ رَواحةَ، فخرَصَها عليهم" والخَرْصُ تَقْديرُ حَجمِ ووَزنِ الثِّمارِ وعَدُّهُ بالتخمينِ والخِبرةِ دون كَيلٍ أو وزنٍ، "ثُمَّ قالَ: يا مَعشَرَ يَهودَ، أنتُم أبغَضُ الخَلْقِ إليَّ" وبيَّنَ سَبَبَ كُرهِهِ لهم؛ فقالَ: "قَتَلْتُم أنبياءَ اللهِ، وكَذَبتُم على اللهِ، وليس يَحمِلُني بُغضي إيَّاكم أنْ أحيفَ عليكم"، ومع ذلك ورُغمَ كُرْهي لكم؛ فإنَّ ذلِكَ الكُرهَ لا يَدفَعُني إلى ظُلمِكُم، كما أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ بذلك في قولِه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
ثُم قال: "قد خَرَصتُ عِشرينَ ألْفَ وَسْقٍ من تَمرٍ"، أي: قَدَّرتُ نِصفَ الثِّمارِ بعِشْرينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وهو مِكيالٌ كَبيرٌ يسَعُ سِتِّينَ صاعًا، ويُعادِلُ 130 كيلو جِرامًا تقريبًا "فإنْ شِئتُم فلَكُم، وإنْ أبَيْتُم فلي"؛ فخيَّرَهم بيْنَ أنْ يأخُذَ المُسلِمونَ الثَّمَرَ، ويُعْطيهم نِصْفَ ما قدَّرَ، أو يأخُذوا هم الثَّمَرَ ويُعْطوا المُسلِمينَ نِصفَ ما قالَ، "قالوا: بهذا قامتِ السَّمَواتُ والأرْضُ" والمَعْنى أنَّ قِسْمَتَكَ وتَقْديرَكَ هو العَدْلُ الَّذي تَقومُ به السَّماءُ والأرضُ! "قد أخَذْناها" ورَضينا بقِسْمَتِكَ، "قال: فاخْرُجوا عنَّا" بعدَ أنْ أرْضَيْناكم، وبعدَ أنْ عَلِمتُم أنَّنا لا نَظلِمُ أحَدًا.
وفي الحديث: مَنقَبةٌ ظاهرةٌ لعبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: بيانُ عدْلِ الإسلامِ وحُسنِ تَعامُلِه حتى مع الكُفَّارِ .