الموسوعة الحديثية


- جاءتِ امرأةٌ إلى نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: قد أحدَثْتُ، وهي حُبْلى، فأمَرها نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ تذهَبَ حتَّى تضَعَ ما في بطنِها فلمَّا وضَعتْ جاءت فأمَرها أنْ تذهَبَ فتُرضِعَه حتَّى تفطِمَه ففعَلتْ ثمَّ جاءت فأمَرها أنْ تدفَعَ ولدَها إلى أُناسٍ ففعَلتْ ثمَّ جاءت فسأَلها: ( إلى مَن دفَعْتِ ) فأخبَرتْ أنَّها دفَعتْه إلى فلانٍ فأمَرها أنْ تأخُذَه وتدفَعَه إلى آلِ فلانٍ ناسٍ مِن الأنصارِ ثمَّ إنَّها جاءت فأمَرها أنْ تشُدَّ عليها ثيابَها ثمَّ إنَّه أمَر بها فرُجِمتْ ثمَّ إنَّه كفَّنها وصلَّى عليها ثمَّ دفَنها فقال النَّاسُ: رجَمها ثمَّ كفَّنها وصلَّى عليها ثمَّ دفَنها ! فبلغ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يقولُ النَّاسُ فقال: ( لقد تابت توبةً لو قُسِمت توبتُها بينَ سبعينَ رجلًا مِن أهلِ المدينةِ لوسِعتْهم )
الراوي : أبو موسى الأشعري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 4442 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
حدَّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ عقوبةَ الزِّنا على البِكْرِ مئةَ جَلْدةٍ، وعلى المُتزوِّجِ الرَّجمُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو موسى الأشعريُّ رَضِي اللهُ عنه: "جاءَتِ امرأةٌ إلى نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالتْ: قد أحدَثتُ"، ومَقصَدُها: أنَّها زَنَتْ عن إحصانٍ، "وهي حُبْلى" وقد حمَلَتْ مِن هذا الزِّنا. قال أبو موسى رَضِي اللهُ عنه: "فأمَرَها نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَذهَبَ حتى تضَعَ ما في بطنِها" حتى تَلِدَ مِن حَمْلِها هذا، "فلمَّا وضَعتْ جاءتْ" إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليُقيمَ عليها الحدَّ، "فأمَرَها أنْ تَذهَبَ فتُرضِعَه حتى تَفطِمَه"، فرَدَّها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى يَعتمِدَ وليدُها على نفسِه في الطعامِ، "ففعَلتْ، ثمَّ جاءتْ، فأمَرَها أنْ تَدفَعَ ولدَها إلى أُناسٍ"؛ لِيكفُلوهُ ويقوموا على تربيتِه وشأنِه، "ففعَلتْ، ثمَّ جاءتْ، فسألَها: إلى مَن دفَعتْ؛ فأخبَرتْ أنَّها دفَعتْه إلى فلانٍ، فأمَرَها أن تأخُذَه وتَدفَعَه إلى آلِ فلانٍ ناسٍ مِن الأنصارِ، ثمَّ إنَّها جاءتْ فأمَرَها أن تشُدَّ عليها ثيابَها" وتَتأكَّدَ مِن سَتْرِها؛ حتى لا يحصُلَ لها تكشُّفٌ عِندَ الرَّجمِ، وعندَ اضطرابِها نتيجةَ ذلك، "ثمَّ إنَّه"، أي: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "أمَرَ بها فرُجِمتْ" اجتمَعَ عليها الناسُ فرجَموها بالحجارةِ حتى ماتتْ، "ثمَّ إنَّه كفَّنَها وصلَّى عليها، ثمَّ دفَنَها"، وهذا تأكيدٌ على أنَّ المسلمَ العاصيَ إذا مات فإنَّه يُكفَّنُ، ويُصلَّى عليه، ويُدفَنُ في مقابرِ المسلمينَ، "فقال الناسُ: رجَمَها، ثمَّ كفَّنَها وصلَّى عليها، ثمَّ دفَنَها!" إشارةً إلى إنكارِهم؛ وذلك لاستعظامِهم الزِّنا مُقابِلَ ما فعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فبلَغَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يقولُ الناسُ، فقال: لقد تابَتْ توبةً، لو قُسِمَتْ توبتُها بينَ سبعينَ رجُلًا مِن أهلِ المدينةِ لَوَسِعَتْهم"، فبيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حقَّها وما حسُنَ مِن توبتِها، كما في روايةِ مسلمٍ مِن حديثِ عِمرانَ بنِ حُصينٍ رَضِي اللهُ عنه: "وهل وجَدتَ توبةً أفضَلَ مِن أنْ جادَتْ بنفسِها للهِ تعالى؟".
وفي الحديثِ: أنَّ توبةَ الزاني لا تُسقِطُ عنه حدَّ الزِّنا، وكذا حُكمُ السَّرِقةِ والشُّربِ، وأنَّ الحدودَ لا يُبطِلُها طولُ الزمانِ.
وفيه: أنَّ الحُدودَ جوابرُ لا يُعاقِبُ اللَّهُ عليها أصحابها بعدَ ذلك في الآخِرَةِ؛ فهي كفَّارةٌ في الحقِّ الخالِصِ للَّهِ، وهذا بخِلافِ ما فيه حقٌّ للعِبادِ، فإنَّه لا بُدَّ مِن ردِّ الحقوقِ لأصحابِها، أو طلَبِ العفوِ والتنازُلِ عنها، فإنْ لم يَفعلْ ذلك طالبَه أهلُ الحقوقِ بحُقوقِهم يومَ القِيامةِ( ).