- قال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، ما الإسلامُ؟ قال: أنْ يُسلِمَ قلْبُك للهِ عزَّ وجلَّ، وأنْ يَسلَمَ المُسلِمونَ مِن لسانِك ويَدِك. قال: فأَيُّ الإسلامِ أَفضَلُ؟ قال: الإيمانُ. قال: وما الإيمانُ؟ قال: تؤْمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتُبِه، ورُسُلِه، والبَعثِ بعْدَ المَوتِ. قال: فأَيُّ الإيمانِ أَفضَلُ؟ قال: الهِجرةُ. قال: فما الهِجرةُ؟ قال: تَهجُرُ السُّوءَ. قال: فأَيُّ الهِجرةِ أَفضَلُ؟ قال: الجِهادُ. قال: وما الجِهادُ؟ قال: أنْ تُقاتِلَ الكفَّارَ إذا لَقِيتَهم. قال: فأَيُّ الجِهادِ أَفضَلُ؟ قال: مَن عُقِر جَوَادُه، وأُهْريقَ دَمُه. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ثمَّ عَمَلانِ هُما أَفضَلُ الأعمالِ إلَّا مَن عَمِل بمِثلِهما: حَجَّةٌ مَبْرورةٌ، أو عُمْرةٌ.
الراوي : عمرو بن عبسة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند
الصفحة أو الرقم: 17027 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه من طرق ابن ماجه (2794) مختصراً، وأحمد (17027) واللفظ له
"ومَلائكتِه" فتُؤمِنُ بوُجودِهم، وأنَّهم مَخْلوقاتٌ مِن نُورٍ، وبكُلِّ ما جاءَ فِي وَصْفِهم ووَظائِفِهم وأعْمالِهم في كِتابِ اللهِ، وصَحَّ في سُنَّةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وكُتبِه" وتَعْتَقِدُ بوُجودِ كُتُبِه المُنَزَّلةِ على رُسُلِهِ؛ كالقُرآنِ، والتَّوْراةِ، والإنْجيلِ، وغَيرِها، وأنَّ كُلَّها نُسِخَتْ بالقُرآنِ.
"ورُسلِه" وتَعتقِدُ بأنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ أرسَلَ رُسلًا مُبَشِّرينَ ومُنْذِرينَ ومُبَلِّغينَ ما أنزَلَ اللهُ إليهم، فمَنْ كفَرَ بواحِدٍ مِنهُم، سَواءٌ كان في المَلائكةِ، أو بالرُّسلِ والأنْبياءِ؛ كفَرَ بجَميعِهم.
"والبَعثِ بعدَ المَوتِ" تُؤمِنُ بوُقوعِ حياةٍ أُخْرَويَّةٍ بعدَ المَوتِ يَبعَثُ فيها اللهُ العِبادَ للحِسابِ.
والإيمانُ أفضَلُ الأعْمالِ على الإطْلاقِ، وأعْظَمُها عندَ اللهِ أجْرًا وثَوابًا؛ لأنَّه شَرطٌ في صِحَّةِ جميعِ العِباداتِ الشَّرعيَّةِ مِن صلاةٍ، وزكاةٍ، وصومٍ، وغيرِها، والإيمانُ نفْسُه يَتفاضَلُ، وهو قولٌ وعملٌ واعتقادٌ؛ ولذلك قال: "فأيُّ الإيمانِ أفضَلُ؟" وأيُّ دَرَجاتِه وأعْمالِه أفضَلُ أجْرًا، "قال: الهِجرةُ" إلى اللهِ ورَسولِه، "قال: فما الهِجرةُ؟ قال: تَهجُرُ السُّوءَ"، أي: تَترُكُ المَعاصِيَ والآثامَ، وفِعلَ كلِّ شيءٍ سيِّئٍ، وهذه هي هِجرةُ الأعْمالِ السيِّئةِ وليستِ الهِجرةُ مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ. "قال: فأيُّ الهِجرةِ أفضَلُ؟" وأيُّ أنْواعِ الهِجرةِ أعْلى أجْرًا وأفضَلُ من غَيرِها منَ الأعْمالِ؟ "قال: الجِهادُ، قال: وما الجِهادُ؟ قال: أنْ تُقاتِلَ الكُفَّارَ إذا لَقيتَهم" دونَ خَوفٍ أو فِرارٍ منَ الزحْفِ؛ فهو قِتالٌ لإعْلاءِ كَلمةِ اللهِ، لا لأيِّ غرَضٍ مِنَ الأغْراضِ الأُخْرى، وإنَّما كان الجهادُ أفضَلَ؛ لأنَّه بذلٌ للنَّفْسِ في سَبيلِ اللهِ.
"قال: فأيُّ الجِهادِ أفضَلُ؟ قال: مَن عُقِرَ جَوادُه" فيُقْتَلُ فَرسُه في الجِهادِ، والعَقْرُ: القَتلُ أو قَطعُ الأرجُلِ، "وأُهريقَ دَمُه" فقُتِلَ وسالَ دَمُه في سَبيلِ اللهِ، وفي هذا إشارةٌ إلى الإقْدامِ في القِتالِ حتَّى الشَّهادةِ أوِ النَّصرِ.
"قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ثم عَمَلانِ هُما أفضَلُ الأعْمالِ إلَّا مَن عمِلَ بمِثلِهما: حَجَّةٌ مَبْرورةٌ، أو عُمرةٌ" والحَجُّ المَبْرورُ هو الَّذي لا يُخالِطهُ إثْمٌ، فهو المُتقَبَّلُ الخالِصُ الخالي مِنَ الرِّياءِ والسُّمْعةِ والمالِ الحَرامِ.
وظاهرُ الحَديثِ يَقْتَضي أنَّ الجِهادَ أفضَلُ مِنَ الحَجِّ، وهو مَحمولٌ على حَجِّ النَّافِلةِ، وأمَّا حَجَّةُ الإسْلامِ؛ فإنَّها أفضَلُ مِنَ الجِهادِ، هذا إذا كان الجِهادُ فَرْضَ كِفايةٍ، أمَّا إذا كان فَرضَ عَينٍ؛ فإنَّه مُقدَّمٌ على حَجَّةِ الإسْلامِ قَطعًا؛ لوُجوبِ فِعلِه على الفَوْرِ.
وفي الحديثِ: الحضُّ على تَرْكِ أذَى المُسلِمينَ باللِّسانِ واليَدِ والأذى كلِّه.
وفيه: أنَّ تَركَ العَملِ السيِّئِ من أفضَلِ الأعْمالِ.
وفيه: أنَّ التضْحيةَ بالنفْسِ والمالِ في سَبيلِ اللهِ من أعظَمِ أنْواعِ الأعْمالِ.
وفيه: بيانُ فضْلِ الحَجِّ المبرورِ والعُمرةِ .