الموسوعة الحديثية


- نادى رجُلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّا كنَّا نَعتِرُ عَتيرةً في الجاهليَّةِ في رجبٍ، فما تأمُرُنا؟ قال: اذبَحوا للهِ في أيِّ شهرٍ كان، وبَرُّوا اللهَ عزَّ وجلَّ، وأَطعِموا، قال: إنَّا كنَّا نُفرِعُ فَرَعًا في الجاهليَّةِ، فما تأمُرُنا؟ قال: في كلِّ سائمةٍ فَرَعٌ تَغْذوه ماشيتُك، حتى إذا استَحْمَلَ -قال نصرٌ: استحمَلَ للحَجيجِ- ذبَحتَه فَتصدَّقتَ بلحمِه -قال خالدٌ: أحسَبُه قال: على ابنِ السبيلِ- فإنَّ ذلك خيرٌ، قال خالدٌ: قلتُ لأبي قِلابةَ: كم السائمةُ؟ قال: مئةٌ.
الراوي : نبيشة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 2830 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

إني كنتُ نهيتُكم عن لحومِ الأضاحي فوقَ ثلاثٍ، كيما تسعَكم، فقد جاء اللهُ عز وجل بالخيرِ، فكُلوا وتصدَّقوا وادَّخِروا، وإنَّ هذه الأيامَ أيامُ أكلٍ وشربٍ، وذكرٍ للهِ عز وجل فقال رجلٌ : إنا كنا نعترُ عتيرةً في الجاهليةِ في رجبَ، فما تأمرُنا ؟ قال : اذبحوا للهِ عز وجل في أيِّ شهرٍ ما كانَ، وبَرُّوا اللهَ عز وجل وأطعِموا فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ : إنا كنا نُفرعُ فرَعًا في الجاهليةِ ؟ فما تأمرُنا ؟ قال : فقال رسولُ اللهِ : في كلِّ سائمةٍ من الغنمِ فرعٌ تغذوهُ غنمُكَ، حتى إذا استحملَ ذبحتَهُ، وتصدَّقتَ بلحمهِ على ابنِ السبيلِ، فإنَّ ذلك هو خيرٌ
الراوي : نبيشة الخير الهذلي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 4241 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم التَّكافُلَ والتَّراحُمَ فيما بينَنا، وهذا مِن تَمامِ الإخلاصِ والامتثالِ لأوامرِ اللهِ، وقد جاء الإسلامُ بالتَّوحيدِ للهِ تعالى وإفرادِه بالعباداتِ والقُرباتِ؛ ولذلك نَهى عن كلِّ ذَبحٍ كان لغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأمر النَّاسَ بإخلاصِ النِّيَّةِ في القُرباتِ والطَّاعاتِ للهِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ رجلٌ مِن هُذيلٍ اسمُه نُبيشَةُ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "إنِّي كنتُ نَهيتُكم عن لُحومِ الأضاحيِّ فوقَ ثلاثٍ"، أي: إنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان قد نَهى أن تَخزُنَ وتدَّخِرَ لحومَ الأضاحيِّ أكثرَ مِن ثلاثةِ أيَّامٍ، "كَيْما تَسَعَكم"، أي: مِن أجْلِ أن تَعُمَّكم، فيَأكُلَ منها الفُقراءُ بمِثلِ ما تَأكُلون مِنها، وقد ورَد في صَحيحِ مُسلمٍ أنَّ هذا النَّهيَ كان مِن أجلِ "الدَّافةِ" الَّتي نزَلَت بالمدينةِ، والدَّافةُ هم الجُماعةُ مِن النَّاسِ، وكان قد نزَل بالمدينةِ أناسٌ كثيرٌ فُقراءُ مَساكينُ يَحتاجون إلى الطَّعامِ، فأمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بذلك لِيُخرِجَ لهم النَّاسُ ما عِندَهم من لحومِ الأضاحيِّ.
"فقد جاء اللهُ عزَّ وجلَّ بالخيرِ"، أي: وسَّع عليكم ورزَقَكم؛ بحيث تُيَسِّرُ على الأغلَبِ أو الجميعِ أن يُضحِّيَ، "فكُلوا وتَصدَّقوا وادَّخِروا"، أي: هذا بيانٌ لِنَسخِ الحُكمِ المتقدِّمِ وأنَّ لهم أن يدَّخِروا فوق ثلاثةِ أيَّامٍ، "وإنَّ هذه الأيَّامَ"، أي: أيَّامَ التَّشريقِ، وهي الحادي عشَرَ والثَّاني عشَرَ والثَّالثَ عشَرَ مِن ذي الحِجَّةِ، "أيَّامُ أكلٍ وشُربٍ"، أي: ليس فيها الصَّومُ، إلَّا لِمَن لم يَصُمِ الثَّلاثةَ الأيَّامِ في التَّمتُّعِ، كما بيَّنَت الرِّواياتُ، "وذِكْرٍ للهِ عزَّ وجلَّ"، أي: يُكثِرون فيها مِن الذِّكرِ والدُّعاءِ.
ثُمَّ سألَ رجلٌ عن بعضِ الذَّبائح التي كانوا يَذبحونها في الجاهليَّةِ لآلهتِهم مُعتقِدينَ أنَّ في ذلك نفعًا لهم، فقال: "إنَّا كنَّا نَعتِرُ عَتيرةً في الجاهليَّةِ في رجبٍ"، أي: كانت لهم ذَبيحةٌ يَذبَحونها في شهرِ رجَبٍ، "فما تَأمُرُنا"؟ أي: فما حُكمُها؟ فصحَّح لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم العقيدةَ، فقال: "اذبَحوا للهِ عزَّ وجلَّ في أيِّ شهرٍ ما كان"، أي: ليس الذَّبحُ مَوقوفًا على شَهرٍ بعَينِه، بل هو مُباحٌ في جميعِ شُهورِ السَّنةِ وأيَّامِها؛ ما دامَ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "وبَرُّوا اللهَ عزَّ وجلَّ"، مِن البِرِّ: وهو حُسنُ الطَّاعةِ للأوامرِ والنَّواهي، "وأطعِموا"، أي: وتصَدَّقوا ممَّا تَذبَحون على الفُقراءِ والمساكينِ، فقال رجلٌ: "يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا في الجاهليَّةِ"، والفَرَعُ: هو أوَّلُ ما تَلِدُ النَّاقةُ، وكانوا يَذبَحون ذلك لآلِهَتِهم في الجاهليَّةِ، "فما تَأمُرُنا"؟ أي: فما حُكمُه؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "في كلِّ سائمةٍ مِن الغنَمِ"، وفي رِوايةٍ: "في كلِّ سائمةٍ فرَعٌ"، والسَّائمةُ: هي الَّتي تُترَكُ فتَرْعى في العُشْبِ المباحِ الَّذي لا مالِكَ له ولا تُكلِّفُ صاحِبَها عَلفًا، "فرَعٌ تَغْذوه غنَمُك"، وفي روايةٍ: "تَغْذوه ماشِيتُك"، أي: تَترُكُه يَرضَعُ مِن لبَنِ أمِّه، وتُغذِّيه، "حتى إذا استَحمَل"، أي: قَوِيَ على الحَمْلِ وصار جَملًا، "ذبَحتَه، وتَصَدَّقتَ بلَحمِه على ابنِ السَّبيلِ؛ فإنَّ ذلك هو خيرٌ"، أي: في الأجرِ والثَّوابِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقيل: المرادُ بالخيرِ: هو ذبْحُه كبيرًا وبه لَحمٌ أفضَلُ من ذَبحِه صَغيرًا، والمرادُ بابنِ السَّبيلِ: المسافِرُ.
والفرَعَ كان أهلُ الجاهليَّةِ يَطلُبون به البرَكةَ في أموالِهم، فكان أحَدُهم يَذبَحُ بِكْرَ ناقتِه أو شاتِه، فلا يَغْذوه رجاءَ البَركةِ فيما يأتي بعدَه، فسأَلوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: "فَرِّعوا إن شِئتُم"، أي: اذبَحوا إن شِئتُم، وكانوا يَسأَلونه عمَّا يَصنَعون في الجاهليَّةِ؛ خوفًا أن يُكرَه في الإسلامِ، فأعلَمَهم أنْ لا كَراهةَ عليهم فيه ما دام للهِ، وأمرَهم استِحْبابًا أن يَغْذوه، ثمَّ يُحمَلَ عليه في سبيلِ اللهِ.
وأمَّا قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا فرَعَ ولا عَتيرةَ"، أي: لا فرَعَ واجبًا، ولا عَتيرةَ واجبةً، والحديثُ الأوَّلُ يَدُلُّ على هذا المعنى؛ فإنَّه أباح الفرَعَ، واختارَ أنْ يُعطِيَه أرملةً، أو يَحمِلَ عليه في سَبيلِ اللهِ .