- أنَّه قال لأصحابِه: أيُّ القِراءتَيْنِ تَرَوْنَ آخِرًا؟ قالوا: قراءةُ زَيدٍ، قال: لا، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَعرِضُ القِراءةَ على جِبْريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ سَنةٍ، فلمَّا كانتِ السَّنةُ التي قُبِضَ فيها، عرَضَه عليه مرَّتيْنِ، فشَهِدَه ابنُ مسعودٍ، وكانت قِراءةُ عبدِ اللهِ آخِرًا. قال: ثُم وَجَدْنا أهلَ القراءةِ قدِ اختَلَفوا في أشياءَ ممَّا يَقرَؤونَ القُرآنَ عليها، ممَّا هي في الخَطِّ مُؤتِلَفةً، وفي ألفاظِهم بها مُختَلِفةً، منها قولُه عزَّ وجلَّ: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94]، وفي قراءةِ غيرِه منهم: ((فَتَثَبَّتُوا)). ومنها قولُه عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] في قراءةِ بعضِهم، وفي قراءةِ غيرهِ: ((فَتَثَبَّتُوا)). ومنها قولُه عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} [العنكبوت: 58]، في قراءةِ بعضِهم، وفي قراءةِ غيرِه منهم: ((لَنُثَوِّيَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا)). ومنها قولُه عزَّ وجلَّ: ((وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا))، في قراءةِ بعضِهم، وفي قراءةِ غيرِه منهم: ((نُنْشِزُهَا)).
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار
الصفحة أو الرقم: 3122 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (7994)، وأحمد (2494) واللفظ له
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "أيُّ القِراءتينِ كانتْ أخيرًا"، بمعنى: أيٌّ مِن الصَّحابيَّينِ كانتْ قِراءتُه أفضَلَ مِن الآخَرِ؟ "قِراءةُ عَبدِ اللهِ، أو قِراءةُ زَيدٍ؟" ويَقصِدُ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ وزَيدَ بنَ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنهما، وتَوجيهُ السُّؤالِ كان للتَّابعينَ الذي يَأخُذون العِلمَ عن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما خصَّ ابنُ عبَّاسٍ هذينِ الصَّحابيَّينِ؛ لأنَّهما كانَا ممَّن جمَعَ القُرآنَ على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكلٍّ منهما مَناقِبُ وفَضْلٌ في هذا المقامِ.
قال التَّابعيُّ مُجاهِدُ بنُ جَبرٍ -راوي الحديثِ عن ابنِ عبَّاسٍ-: "قُلْنا: قِراءةُ زَيدٍ" فأجابوا بأنَّ قِراءةَ زَيدٍ أفضَلُ مِن قِراءةِ عبدِ اللهِ، فقال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "لا؛ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَعرِضُ القُرآنَ على جِبريلَ كلَّ عامٍ مرَّةً"، أي: كان يُراجِعُ كلَّ ما نزَلَ مِن القُرآنِ مع جِبريلَ مرَّةً في كلِّ عامٍ، "فلمَّا كان في العامِ الذي قُبِضَ فيه عَرَضَه عليه مرَّتينِ"؛ تأْكيدًا وتَعليمًا بما نُسِخَ وما أُثبِتَ، "وكانتْ آخِرُ القِراءةِ قِراءةَ عبدِ اللهِ"؛ فقد شَهِدَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ العرْضةَ الأخيرةَ، وأخَذَها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكان أعلَمَ مِن غَيرِه بالقُرآنِ، وفي الصَّحيحينِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "خُذوا القُرآنَ مِن أربعةٍ: مِن عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ -فبَدَأَ به- وسالمِ مَولى أبي حُذَيفةَ، ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأُبيِّ بنِ كَعبٍ"، وفي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ أنَسٍ رضِيَ اللهُ عنه: "جمَعَ القُرآنَ على عَهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربعةٌ، كلُّهم مِن الأنصارِ: مُعاذُ بنُ جَبلٍ، وأُبَيُّ بنُ كَعبٍ، وزَيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو زَيدٍ" .