الموسوعة الحديثية



كان عبدُ اللهِ بنُ سلَامٍ رضِي اللهُ عنه مِن يهودِ المدينةِ، وذلك قبْلَ مبْعثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا عَلِمَ عبدُ اللهِ بقُدومِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ جاءَه؛ لِيتأكَّدَ مِن كونِه نَبيًّا مِن عندِ ربِّ العالَمينَ، فعكَفَ على سؤالِهِ بعضَ الأسئلةِ الَّتي لا يعلمُها إلَّا نبيٌّ، فسألَه قائلًا: ما أوَّلُ أشراطِ السَّاعةِ؟ وما أوَّلُ طعامٍ يأكلُه أهلُ الجنَّةِ؟ ومِن أيِّ شيءٍ يَنزِعُ الولدُ إلى أبيه؟ أي: ما الَّذي يجعلُ الولدَ يُشبُه أباه؟ ومِن أيِّ شيءٍ ينزِعُ إلى أخوالِه؟ أي: وما الَّذي يجعلُه يُشبُه أخوالَه؟ فقالَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: خَبَّرني بهنَّ آنفًا جبريلُ، أي: إنَّ جبريلَ قد أخبرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِإجابةِ هذه الأسئلةِ قبْلَ ذلك، فقال له عبدُ اللهِ بن سلَامٍ: ذاك عدوُّ اليهودِ مِنَ الملائكةِ؛ وذلك أنَّهم كانوا يتَعلَّلونَ عَن عدَمِ الإيمانِ بهذه الأشياءِ الواهيةِ، وزَعَموا أنَّه ينزلُ بِالحرْبِ والقِتالِ، وهلْ هو عليه السلام إلَّا مأمورٌ مِن عندِ ربِّ العالَمينَ، وأجابَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائلًا: أمَّا أوَّلُ أشراطِ السَّاعةِ، فنارٌ تَحشرُ النَّاسَ مِنَ المشرِقِ إلى المغرِبِ، وهذا هو الحشْرُ الأوَّلُ قبْلَ قيامِ السَّاعةِ تُسلَّطُ النَّارُ على النَّاسِ فَيَهربونَ منها، وذلك مِن علاماتِ القيامةِ، ثُمَّ يموتونَ، ثُمَّ يُحشَرونَ إلى القيامةِ، وقد جاءَ في صحيحِ مسلمٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: (وَآخِرُ ذلك نارٌ تَخرجُ مِنَ اليمَنِ تَطرُدُ النَّاسَ إلى مَحشَرِهم)، وفي روايةٍ عند مسلم: (نارٌ تَخرجُ مِن قَعْرِ عدَنٍ تُرَحِّلُ النَّاسَ)، وكونُها تخرُجُ مِن قَعْرِ عَدَنٍ لا يُنافي حَشْرَها النَّاسَ مِنَ الْمَشرِقِ إلى المغرِبِ؛ وذلك أنَّ ابتداءَ خُروجِها مِن قَعرِ عَدَنٍ فإذا خرجتِ انتشرَتْ في الأرضِ كلِّها، والمرادُ بقولِه: تَحشرُ النَّاسَ مِنَ المشرقِ إلى المغربِ إرادةُ تُعميمِ الحشْرِ لا خُصوصُ المشرِقِ والمغرِبِ، أو أنَّها بعدَ الانتشارِ أوَّلَ ما تَحشُر تحشُرُ أهلَ المشرِقِ، وأمَّا أوَّلُ طعامٍ يأكلُه أهلُ الجنَّةِ فزيادةُ كبدِ الحوتِ، وهي القِطعةُ المنفردةُ المتعلِّقَةُ بِالكبدِ، وهي أطيبَها وأهنأُ الأطعمةِ، وأمَّا الشَّبَهُ في الولدِ: فإنَّ الرَّجلَ إذا غَشِيَ المرأةَ، أي: جامَعَها، فَسبقَها ماؤُه كان الشَّبَهُ له، وإذا سَبقَ ماؤُها كان الشَّبهُ لها، عند ذلك شَهدَ عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ رضِي اللهُ عنه بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رسولُ اللهِ حقًّا، ونبيُّ اللهِ صِدقًا، ثُمَّ قال: إنَّ اليهودَ قومٌ بُهتٌ، أي: كذَّابونَ مُمارونَ لا يَرجعونَ إلى الحقِّ، إنْ عَلِموا بإسلامي قبْلَ أنْ تسألَهم عنِّي بَهَتوني عندَك، أي: كذَبوا عليَّ، فجاءتِ اليهودُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ودخَلَ عبدُ اللهِ بنُ سلَامٍ رضِي اللهُ عنه البيتَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِليهودِ: أيُّ رجلٍ فيكم عبدُ اللهِ بنُ سلَامٍ؟ قالوا: أعلَمُنا وابنُ أعلَمِنا، وأخْيرُنا وابنُ أخْيَرِنا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَفرأَيْتم، أي: أخْبروني، إنْ أسلَمَ عبدُ اللهِ فهل تُسلِمون؟ قالوا: أعاذَه اللهُ مِن ذلك، فخرَجَ عبدُ اللهِ مِنَ البيتِ إليهم، فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ. فقالوا: شَرُّنا وابنُ شرِّنا ووقَعوا فيه، أي: قالوا فيه ما ليسَ مِن صِفاتِه كذبًا وزُورا، ألَا قاتَلَ اللهُ اليهودَ!
في الحديثِ: أنَّ اليهودَ أهلُ كذِبٍ وفجورٍ، يقولونَ ويفتَروَن على غيرِهم ما ليسَ فيه.
وفيه: مِن علاماتِ نُبوَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إخبارُه عَن بعضِ الأمورِ الغيبِيَّةِ.
وفيه: فضيلةُ عبدِ اللهِ بنِ سلَامِ رضِي اللهُ عنه .