الموسوعة الحديثية


- دَخَلَ أبو أُمامةَ الباهليُّ دِمَشقَ، فرَأى رُؤوسَ حَروراءَ قد نُصِبَتْ، فقال: كِلابُ النَّارِ، كِلابُ النَّارِ! ثلاثًا، شَرُّ قَتلى تحت ظِلِّ السَّماءِ، خيرُ قَتلى مَن قَتَلوا، ثُمَّ بَكى، فقام إليه رَجُلٌ فقال: يا أبا أُمامةَ، هذا الذي تقولُ مِن رَأيِكَ أم سَمِعتَه؟ قال: إنِّي إذَنْ لجَريءٌ! كيف أقولُ هذا عن رَأيٍ؟ قال: قد سَمِعتُه غيرَ مَرَّةٍ ولا مَرَّتَينِ، قال: فما يُبكيكَ؟ قال: أبكي لخُروجِهم مِن الإسلامِ؛ هؤلاء الذين تَفرَّقوا واتَّخَذوا دِينَهم شِيَعًا.
الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 22314 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (3000) باختلاف يسير، وابن ماجه (176) مختصراً، وأحمد (22314) واللفظ له

كنت بدمشقَ زمنَ عبدِ الملكِ فأُتِيَ برؤوسِ الخوارجِ فنُصِبَت على أعوادٍ فجئت لأنظرَ هل فيها أحدٌ أعرفُه فإذا أبو أمامةَ عندَها فدنوت منه فنظرت إلى الأعوادِ فقال كلابُ النارِ ثلاثَ مراتٍ شرُّ قتلَى تحتَ أديمِ السماءِ ومَن قتلوه خيرُ قتلَى تحتَ أديمِ السماءِ قالها ثلاثَ مراتٍ ثم استبكى قلت يا أبا أمامةَ ما يبكيكَ قال كانوا على دينِنا ثم ذكر ما هم صائرونَ إليه غدًا قلت أشيئًا تقولُه برأيِك أم شيئًا سمعتَه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال إني لو لم أسمعْه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المرةَ أو مرتين أو ثلاثًا إلى السبعِ ما حدَّثتكُموه أما تقرأ هذه الآيةَ في آلِ عمرانَ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إلى آخرِ الآيةِ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ثم قال اختلف اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً سبعونَ فرقةً في النارِِ وواحدةٌ في الجنةِ واختلف النصارَى على اثنتينِ وسبعينَ فرقةً إحدَى وسبعونَ فرقةً في النارِِ وواحدةٌ في الجنةِ وتختلفُ هذه الأمةُ على ثلاثةً وسبعينَ فرقةً اثنتانِ وسبعونَ فرقةً في النارِِ وواحدةٌ في الجنةِ فقلنا انعتْهم لنا قال السوادُ الأعظمُ
الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم: 6/236 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات

الخوارِجُ الَّذين يُكفِّرون المُسلِمين بالذُّنوبِ والمعاصي، ويَستحِلُّون دِماءَهم وأموالَهم بذلك هم شَرُّ الخَلقِ والخَليقةِ، وقد أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقِتالِهم، وحذَّرَ مِنهم، وبيَّنَ لنا صِفاتِهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو غالِبٍ البَصريُّ، واسْمُه حَزَوَّرُ. وقيل: سَعيدُ بنُ الحَزَوَّرِ، وهو مِن صِغارِ التَّابِعين: "كنتُ بدِمَشقَ زمَنَ عبدِ المَلِكِ"، أي: في خِلافتِه، وكانت قد خرَجَتْ بعضُ الخوارجِ عليه، "فأُتِيَ برُؤوسِ الخوارجِ، فنُصِبَت على أعوادٍ"، أي: رُفِعَت أو صُلِبَت على أعمدةٍ، "فجِئْتُ لِأنظُرَ هل فيها أحدٌ أعرِفُه، فإذا أبو أُمامةَ عندها"، أي: واقفٌ عندَ تلك الرُّؤوسِ، وأبو أُمامةَ اسمُه صُدَيُّ بنُ عَجْلانَ بنِ وَهْبٍ الباهليُّ، وهو صَحابيٌّ مشهورٌ، سكَنَ مِصْرَ، ثمَّ انتَقَلَ إلى حِمْصَ، ومات بها، وهو آخِرُ مَن مات مِن الصَّحابةِ بالشَّامِ رضِيَ اللهُ عَنه، "فدنَوتُ منه"، أي: اقترَبَ مِن أبي أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه، "فنظَرْتُ إلى الأعوادِ، فقال"، أي: أبو أُمامةَ، "كِلابُ النَّارِ- ثلاثَ مرَّاتٍ-"، أي: الخوارِجُ أصحابُ هذه الرُّؤوسِ كِلابُ أهلِ النَّارِ، أو إنَّهم على صُورةِ كِلابٍ في النَّارِ، "شَرُّ قَتْلى"، أي: هَؤلاءِ هم شرُّ القتلى الذينَ يَقتُلُهمُ المُسلِمونَ؛ وذلك لِمَا أحدَثُوه من الفِتنِ فكان قتْلُهم خيرًا للبِلادِ والعِبادِ إقامةِ الدِّينِ، "تحتَ أَديمِ السَّماءِ"، أي: تحتَ وَجْهِ السَّماءِ وتحتَ صَفْحَتِها، كما يُسمَّى وَجْهُ الأرضِ أَدِيمًا، "ومَن قَتلوهُ خيرُ قَتْلى تحتَ أديمِ السَّماءِ- قالَها ثلاثَ مرَّاتٍ-"، أي: مَن قَتَلهُ الخوارِجُ أصحابُ هذه الرُّؤوسِ هو خيرُ مَقْتولٍ؛ لأنَّه قُتِلَ ظُلمًا بلا ذنْبٍ، أو قُتِلَ وهو يُحارِبُهم، "ثمَّ اسْتَبْكى. قلْتُ: يا أبا أُمامةَ، ما يُبْكِيك؟ قال: كانوا على دِينِنا، ثمَّ ذكَرَ ما هم صائِرونَ إليه غدًا"، أي: في قُبورِهم ويَومَ القيامةِ، "قلْتُ: أشيئًا تقولُه برأْيِك أمْ شيئًا سمِعْتَه مِن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قال أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه: "إنِّي لو لم أسْمَعْهُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المرَّةَ، أو مرَّتينِ، أو ثلاثًا، إلى السَّبعِ: ما حَدَّثْتُكموه"، أي: إنَّه سَمِعَه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثَرَ مِن سبْعِ مرَّاتٍ سَماعًا لا شكَّ فيه؛ ولذلك حدَّثَ به، "أَمَا تَقرَأُ هذه الآيةَ في آلِ عمرانَ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ}"، أي: وُجوهُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، أهلِ السَّعادةِ والخيرِ، أهلِ الائْتِلافِ والاعتصامِ بحَبْلِ اللهِ، "{وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}"، أي: وُجوهُ أهلِ البِدعةِ، وأهلِ الشَّقاوةِ والشَّرِّ، أهلِ الفُرقَةِ والاختِلافِ، إلى آخرِ الآيةِ {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 106- 107]. "ثمَّ قال: اختلَفَ اليهودُ"، أي: في دِينِها وعَقائدِها، "على إحْدى وسبعينَ فِرقةً: سبْعونَ فِرقةً في النَّارِ" وتلك الفِرَقُ في النَّارِ؛ جزاءً على ما ابْتدعَتْهُ في دِينِ اللهِ، ولم يأْتِ بَيانُ ما الَّذي قد ذهَبَتْ إليه كلُّ فِرقةٍ في شَيءٍ مِن الأحاديثِ، "وواحدةٌ في الجنَّةِ" وهي الفِرقةُ الَّتي اتَّبعَتِ الحقَّ الَّذي أنزَلَهُ اللهُ على نَبيِّه مُوسى عليه السَّلامُ، ولم تُغيِّرْ ولم تُبدِّلْ أحكامَ التَّوراةِ، "واختَلَفَ النَّصارى على اثنتَينِ وسبعينَ فِرقةً: إحْدى وسبْعونَ فِرقةً في النَّارِ، وواحدةٌ في الجنَّةِ" زادتْ فِرقةً على مَن قبْلَها كما زادَتِ هذه الأمَّةُ المُحمَّديَّةُ عليها بفِرْقةٍ، "وتَختلِفُ هذه الأُمَّةُ على ثلاثةٍ وسبْعينَ فِرقةً: اثنتانِ وسبْعونَ فِرقةً في النَّارِ"، أي: إنَّ تلك الفِرَقَ الَّتي ستَنشَأُ وتَكونُ في الأُمَّةِ هم مَنْ يُخالِفُ أهلَ الحقِّ في أُصولِ التَّوحيدِ، وفي تَقْديرِ الخيرِ والشَّرِّ، وجَزاؤُهم بذلك النَّارُ، "وواحدةٌ في الجنَّةِ، فقُلْنا: انْعَتْهم لنا"، أي: اذكُرْ علاماتِ تلك الفِرَقِ وأوصافَها، قال أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه: "السَّوادُ الأعظَمُ"، أي: إنَّ الفِرْقةَ النَّاجيةَ بيْن هؤلاءِ هم الجَماعةُ مِن أهلِ العِلْمِ والفقهِ، والمُجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ، والآمِرينَ بالمَعروفِ والنَّاهينَ عنِ المُنكرِ، الَّذين اجتَمَعوا على الاعتِصامِ بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واتِّباعِ آثارِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وسُنَّتِه، وابْتَعَدوا عن البِدَعِ والتَّحريفِ والتَّغييرِ.
وفي الحديثِ: علامَةُ مِن دَلائلِ نُبوَّتِه الشَّريفةِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حيث وقَعَ ما أخبَرَ به.
وفيه: ذَمُّ الخوارجِ، وأنَّهم مِن أهْلِ النَّارِ .