الموسوعة الحديثية


- أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ ألا أدلُّكم على ما يكفِّرُ اللَّهُ بهِ الخطايا ويزيدُ بهِ في الحسناتِ قالوا بلى يا رسولَ اللَّهِ قالَ إسباغُ الوضوءِ على المكارِهِ وكثرةُ الخطا إلى المساجدِ وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ ما منكم من رجلٍ يخرجُ من بيتِهِ متطهِّرًا فيصلِّي معَ المسلمينَ الصَّلاةَ ثمَّ يجلسُ في المجلسِ ينتظرُ الصَّلاةَ الأخرى إلَّا الملائكةُ تقولُ اللَّهمَّ اغفرْ لهُ اللَّهمَّ ارحمْهُ فإذا قمتم إلى الصَّلاةِ فاعدلوا صفوفَكم وأقيموها وسدُّوا الخللَ فإنِّي أراكُم من وراءِ ظهري فإذا قالَ إمامُكم اللَّهُ أكبرُ فقولوا اللَّهُ أكبرُ وإذا ركعَ فاركعوا وإذا قالَ سمِعَ اللَّهُ لمن حمدَهُ فقولوا اللَّهمَّ ربَّنا لكَ الحمدُ وإنَّ خيرَ صفوفِ الرِّجالِ المقدَّمُ وشرَّها المؤخَّرُ وخيرَ صفوفِ النِّساءِ المؤخَّرُ وشرَّها المقدَّمُ يا معشرَ النِّساءِ إذا سجدَ الرِّجالُ فاغضضْنَ أبصاركُنَّ لا تَرينَ عوراتِ الرِّجالِ من ضيقِ الأُزُرِ [وفي روايةٍ] ما منكم من رجلٍ يخرجُ من بيتِهِ متطهِّرًا فيصلِّي معَ المسلمينَ الصَّلاةَ الجامعةَ
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد | الصفحة أو الرقم : 2/95 | خلاصة حكم المحدث : فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفي الاحتجاج به خلاف وقد وثقه غير واحد

ألا أدلُّكم على شيءٍ يُكفِّرُ الخطايا ، ويزيدُ في الحسناتِ ؟ ! . قالوا : بلَى يا رسولَ اللهِ ! قال : إسباغُ الوضوءِ والطَّهورِ في المكارهِ ، وكثرةُ الخُطَى إلى هذا المسجدِ ، والصَّلاةُ بعد الصَّلاةِ ، وما من أحدٍ يخرُجُ من بيتِه مُتطهِّرًا ؛ يأتي المسجدَ ، فيُصلِّي مع المسلمين أو مع الإمامِ ، ثمَّ ينتظِرُ الصَّلاةَ الَّتي بعدُ ؛ إلَّا قالت الملائكةُ : اللَّهمَّ ! اغفِرْ له ، اللَّهمَّ ! ارحَمْه . فإذا قمتم إلى الصَّلاةِ ؛ فاعدِلوا صفوفَكم ، وسُدُّوا الفُرُجَ . فإذا كبَّر الإمامُ فكبِّروا ؛ فإنِّي أراكم من ورائي ، وإذا قال : سمِع اللهُ لمن حمِده ؛ فقولوا : ربَّنا ! ولك الحمدُ . وخيرُ صفوفِ الرِّجالِ المُقدَّمُ ، وشرُّ صفوفِ الرِّجالِ المُؤخَّرُ، وخيرُ صفوفِ النِّساءِ المُؤخَّرُ ، وشرُّ صفوفِ النِّساءِ المُقدَّمُ ، يا معشرَ النِّساءِ ! إذا سجد الرِّجالُ ؛ فاخفِضْن أبصارَكنَّ عن عوراتِ الرِّجالِ . فقلتُ لعبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ : ما يعني بذلك ؟ قال : ضيقُ الأُزُرِ
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الموارد
الصفحة أو الرقم: 355 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه ابن ماجه (427، 776) مختصرًا، وأحمد (3/ 3) باختلاف يسير جدًّا، والدارمي (1/ 189) مختصرًا.


كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحرِصُ على أنْ يَدُلَّ أصحابَهُ رضِيَ اللهُ عنهم على الخيرِ في كُلِّ الأمورِ، ويُوضِّحُ لهم مَواطنَ الشرِّ ويُحذِّرُهم مِنْها، وفي هذا المعنى يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُخاطِبًا أصحابَهُ: "أَلَا أَدُلُّكم على شَيءٍ يُكفِّرُ الخَطايا ويَزِيدُ في الحسناتِ؟" أي: أَلَا تُريدونَ أنْ أُخبِرَكم وأُطْلِعَكم على ما يَمْحو اللهُ بهِ الذُّنوبَ ويَرفَعُ به الدَّرجاتِ بزيادَةِ الحَسناتِ، فقال الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم: "بَلَى يا رسولَ اللهِ"، أي: دُلَّنا يا رسولَ اللهِ على ذلك الخيرِ، قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبيِّنًا لهذه الأُمورِ الفاضِلةِ: "إِسْباغُ الوُضُوءِ والطُّهورِ في المَكارِهِ"، أي: إتْمامُه وإعْطاءُ كلِّ عُضوٍ حقَّهُ مِنَ الماءِ، واستيعابُ المَحلِّ بالغَسلِ، وتَطويلُ الغُرَّةِ، وتَكرارُ الغَسلِ ثلاثًا، والمُرادُ بالمَكارِهِ: مَا يَكْرهُه الشَّخصُ ويشُقُّ عَليه، أي: يتَوضَّأُ مع بَردٍ شَديدٍ وعِللٍ يتأذَّى معها بمَسِّ الماءِ، ومَع إعوازِه والحاجةِ إلى طَلبِه والسَّعيِ في تَحصيلِه، ونحوِ ذَلِك، "وكَثْرةُ الخُطى إلى هذا المسجدِ"، أي: والإكثارُ مِنَ الذَّهابِ إلى مَسجدِ النَّبيِّ، وذلِكَ لمَن كان في المدينةِ، والمُرادُ كَثرةُ الذَّهابِ إلى المساجِدِ عُمومًا لإدراكِ الجماعاتِ، "والصَّلاةُ بَعدَ الصَّلاةِ"، أي: أداءُ الفرائِضِ مِنَ الصَّلواتِ على وَقْتِها.
"ومَا مِن أحدٍ يَخرُجُ مِن بيتِه مُتطهِّرًا، يأْتي المسجِدَ، فيُصلِّي مع المُسلِمينَ أو مع الإمامِ"، أي: الصَّلاَةَ المفروضةَ، "ثمَّ ينتَظِرُ الصَّلاةَ الَّتي بَعْدُ"، أي: يَبْقَى في المسجِدِ مُنتظِرًا الفريضةَ التَّاليةَ، ولا يَشغَلُه عنها شَيءٌ مِن أُمورِ الدُّنِيا، "إلَّا قالتِ الملائكةُ: اللَّهُمَّ اغفِرْ له، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ"، أي: طَلبَتْ له الملائكةُ الرَّحمةَ مِن عندِ اللهِ بَعدَ طَلبِ الغُفرانِ؛ لأنَّ صَلاةَ الملائكةِ على العبادِ استغفارٌ لهمْ.
"فإذا قُمتُمْ إلى الصَّلاةِ"، أي: إذا أردْتُمُ الدُّخولَ في صَلاةِ الجَماعةِ، "فاعدِلُوا صُفوفَكم وسُدُّوا الفُرَجَ"، أي: سَاوُوا صُفوفَكم بِالوُقوفِ مُتجاورِينَ، ولا تَتركُوا فَراغاتٍ بيْنَ أرْجُلِ بَعضِكُم البعضِ".
"فإذا كَبَّرَ الإمَامُ فكَبِّروا"، أي: اتَّبِعوا الإمامَ في التَّكبيرِ وكَبِّرُوا بعْدَه، "فإنِّي أراكم مِن ورائي" معناهُ: أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ له صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إدراكًا مِن وَرائِه، وهذا مِن خَصائِصِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. وإبصارُه إدراكٌ حَقيقيٌّ انخرَقَتْ له فيه العادَةُ، وقدِ انخرَقَتِ العادةُ له صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأكثَرَ مِن هذا، وليس يَمنَعُ مِن هذا عَقْلٌ ولا شَرْعٌ، بل وَرَدَ الشَّرْعُ بظاهرِه، فوَجَبَ الإيمانُ به.
"وإذا قال"، أي: الإمامُ عندَ الرَّفعِ مِنَ الرُّكوعِ، "سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَهُ، فقولُوا: ربَّنا ولك الحمْدُ"، ثمَّ قالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وخَيرُ صُفوفِ الرِّجالِ المُقدَّمُ، وشَرُّ صُفوفِ الرِّجالِ المُؤخَّرُ"، أي: أفضَلُ مَواقفِ الرِّجالِ أنْ يكونوا في الصُّفوف الأُولى، ويُسارِعوا إلى الصَّدارةِ في الطَّاعاتِ، وفي الصَّلواتِ خاصَّةً، بأنْ يَقِفَ في الصَّفِّ الأوَّلِ خَلْفَ الإمامِ، وهذه الحالُ في كلِّ الأُمورِ، وفي كلِّ الصَّلواتِ، ويكونُ أكثرَ خيريَّةً عندَ حُضورِ النِّساءِ للصَّلواتِ؛ فيكونُ الصَّفُّ الأوَّلُ أكثرَ بُعْدًا عنِ النِّساءِ.
فهذا على العَكسِ مِن الرِّجالِ؛ فقد أمَرَ اللهُ النِّساءَ بالاحتِجابِ والسُّترةِ عن الأعيُنِ؛ ولذلك قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وخيرُ صُفوفِ النِّساءِ المُؤخَّرُ، وشَرُّ صُفوفِ النِّساءِ المُقدَّمُ"، أي: خيرُ صُفوفِ النِّساءِ وأَوْلاها بالأفضليَّةِ هو آخِرُ الصُّفوفِ؛ لِبُعْدِها عن صُفوفِ الرِّجالِ والفِتنةِ، وشَرُّها أوَّلُها؛ لِقُرْبِها مِن صُفوفِ الرِّجالِ، وتَعرُّضِها أكثرَ للفتنةِ، وهذا إذا كانتِ الصَّلاةُ في مَسجدٍ يَحضُرُ فيه الرِّجالُ والنِّساءُ، أمَّا إذا انفَرَدَتِ النِّساءُ في الجماعةِ، فهُنَّ كالرِّجالِ في أفضليَّةِ الصُّفوفِ الأُولى.
ثُم نَصَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّساءَ وأرشدَهُنَّ، فقال: "يا مَعشرَ النِّساءِ، إذا سجَدَ الرِّجالُ، فاخفِضْنْ أبصارَكنَّ عن عَوراتِ الرِّجالِ"، أي: لا تَنْظُرْنَ إلى عَوْراتِ الرِّجالِ الَّذين أمامَكنَّ في الصُّفوفِ إذا سجَدُوا، "فقُلْتُ لعبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ" القائلُ هو سُفْيانُ الثَّورِيُّ أحدُ رُواةِ هذا الحديثِ، "ما يعني بذلك؟ قال: ضِيقُ الأُزُرِ"، أي: أمَرَ النِّساءَ بِغَضِّ البصرِ؛ لئَلَّا يقَعَ بصَرُ امرأةٍ على عَورةِ رجلٍ انكشفَت لِضيقِ إزَارِه؛ لقلَّةِ الثِّيابِ عندَهم في ذاك الوقتِ.
وفي الحديثِ: أنَّ كَمالَ الطَّاعةِ مُرتَبِطٌ بأدائِها بالضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ.
وفيه: بَيانُ نُصْحِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُمَّتِه، وإرشادِها لِمَا فيه الخيرُ، وتَحذيرِها مِن كلِّ شَرِّ.
وفيه: حَثُّ الرِّجالِ على المُسارَعةِ إلى الطَّاعاتِ والصُّفوفِ الأُوْلى في الصَّلواتِ، وهو مَحلُّ الأفضليَّةِ لهم.
وفيه: حثُّ النِّساءِ على الوُقوفِ في الصُّفوفِ الخلفيَّةِ، أو بالاحتِجابِ عن الأعيُنِ، وهو مَحلُّ الأفضليَّةِ لهنَّ.