الموسوعة الحديثية


- إنَّ أوَّلَ لِعانٍ كانَ في الإسلامِ ، أنَّ هلالَ بنَ أميَّةَ قذفَ شريكَ بنَ السَّحماءِ بامرأتِهِ ، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبرَهُ بذلِكَ فقالَ لَه النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أربعةَ شُهَداءَ وإلَّا فحدٌّ في ظَهْرِكَ يردِّدُ ذلِكَ مِرارًا ، فقالَ لَه هلالٌ : واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ليعلَمُ أنِّي صادقٌ وليُنْزِلَنَّ اللَّهُ عزَّ وجلَّ عليكَ ما يبريء ظَهْري منَ الجَلدِ ، فبينما هُم كذلِكَ إذ نزلَت عليهِ آيةُ اللِّعانِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ إلى آخِرِ الآيةِ ، فدعا هلالًا فشَهِدَ أربعَ شَهاداتٍ باللَّهِ إنَّهُ لمنَ الصَّادقينَ والخامِسةُ أنَّ لعنةَ اللَّهِ عليهِ إن كانَ منَ الكاذبينَ ثمَّ دُعِيَتِ المرأةُ فشَهِدت أربعَ شَهاداتٍ باللَّهِ إنَّهُ لمنَ الكاذبينَ ، فلمَّا أن كانَ في الرَّابعةِ أوِ الخامِسةِ قالَ رسولُ اللَّهِ : وقِّفوها فإنَّها موجِبةٌ فتلَكَّأت حتَّى ما شَكَكنا أنَّها ستَعترِفُ ، ثمَّ قالَت : لا أفضحُ قَومي سائرَ اليومِ فمَضَت علَى اليمينِ فقالَ رسولُ اللَّهِ : أنظِروها فإن جاءت بهِ أبيضَ سَبطًا قَضيءَ العينينِ فَهوَ لِهِلالِ بنِ أميَّةَ ، وإن جاءَت بهِ آدمَ جَعدًا رَبعًا حَمِشَ السَّاقينِ فَهوَ لشَريكِ بنِ السَّحماءِ ، فجاءَتْ بهِ آدمَ جعدًا ربعًا حمشَ السَّاقينِ فقالَ رسولُ اللَّهِ : لَولا ما سبقَ فيها من كتابِ اللَّهِ لَكانَ لي ولَها شأنٌ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 3469 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

 أنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إذا رَأَى أحَدُنا علَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ! فَجَعَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: البَيِّنَةَ، وإلَّا حَدٌّ في ظَهْرِكَ، فقالَ هِلالٌ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ إنِّي لَصادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ ما يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وأَنْزَلَ عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}، فَقَرَأَ حتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9]. فانْصَرَفَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأرْسَلَ إلَيْها، فَجاءَ هِلالٌ فَشَهِدَ، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أنَّ أحَدَكُما كاذِبٌ، فَهلْ مِنْكُما تائِبٌ؟ ثُمَّ قامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كانَتْ عِنْدَ الخامِسَةِ وقَّفُوها، وقالوا: إنَّها مُوجِبَةٌ، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ ونَكَصَتْ، حتَّى ظَنَنَّا أنَّها تَرْجِعُ، ثُمَّ قالَتْ: لا أفْضَحُ قَوْمِي سائِرَ اليَومِ، فَمَضَتْ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أبْصِرُوها؛ فإنْ جاءَتْ به أكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سابِغَ الألْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ؛ فَهو لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ، فَجاءَتْ به كَذلكَ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَوْلا ما مَضَى مِن كِتابِ اللَّهِ لَكانَ لي ولَها شَأْنٌ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4747 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : من أفراد البخاري على مسلم


شَرَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ اللِّعانَ بيْن الزَّوجَيْنِ حِينَ تَقَعُ الفاحشةُ مِن الزَّوجةِ، ولا تُوجَدُ البيِّنةُ؛ لحِفْظِ الأنسابِ ودَفْعِ المعَرَّةِ عَنِ الأزْواجِ، ولدَرْءِ حدِّ القَذْفِ.
وفي هذا الحَديثِ يروي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ رَضيَ اللهُ عنه -وهو أحدُ الثَّلاثةِ الذين خُلِّفوا وتِيبَ عليهم- قَذَفَ زَوْجتَه فاتَّهمها بالزِّنا بِشَريكِ بنِ سَحْماءَ، فَقالَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إِمَّا أن تُقيمَ عليها البَيِّنةَ، أو أُقيمَ عَلَيْك حَدَّ القَذْفِ في ظَهْرِك، وهو ثمانون جلدةً لكُلِّ من يرمي امرأةً مُسلِمةً بالفاحِشةِ دونَ بَيِّنةٍ، فقالَ مُتَعَجِّبًا: إِذا رَأى أحَدُنا عَلى امْرَأتِه رَجُلًا يَذهَبُ يَلْتَمِسُ البَيِّنةَ! أي: كَيْفَ أُكَلَّفُ بالبَيِّنةِ وأنا لا يُمْكِنني ذَلِكَ؛ لِأنَّني مَتى ذَهَبتُ لإحضارِ الشُّهودِ، فَرَّ الرَّجُلُ مِن البَيْتِ، فَجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: «البَيِّنةَ»، أي: أَحضِرِ البَيِّنةَ، وبَيِّنةُ حَدِّ الزِّنا شهودُ أربعةِ رِجالٍ، أو جَزاؤُك الحَدُّ في ظَهرِك. فَقالَ هِلالٌ: والَّذي بَعَثَك بالحَقِّ، إِنِّي لَصادِقٌ، وليُنْزِلَنَّ اللهُ ما يُبرِّئُ ظَهْري مِن الحَدِّ، أي: ما يُخَلِّصني مِنه! وهذا من شِدَّةِ صِدْقِه وثِقَتِه الكبيرةِ بالله، فَنَزَلَ جِبْريلُ وأنْزَلَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9]، وهي آياتُ المُلاعَنةِ الَّتي تُبَرِّئ ظَهْرَه مِن الحَدِّ، فَأرْسَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهما، فَجاءَ هِلالٌ فَشَهِدَ على زوجتِه أربَعَ شهاداتٍ أنَّها زَنَت، وقالَ في الخامِسةِ: إنَّ لَعْنةَ اللهِ عليه إنْ كانَ مِن الكاذِبينَ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لهما: إنَّ اللهَ يَعلَم أنَّ أحَدَكما كاذِبٌ؛ فهلْ مِنكما تائِبٌ؟ ثمَّ قامَتْ زَوْجتُه فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كانت عِنْدَ الخامِسةِ، أوْقَفوها عَن النُّطْقِ بِهَذِه الشَّهادةِ وقالوا: إِنَّها مُوجِبةٌ، أي: احْذَري أنْ تُؤَدِّي الشَّهادةَ الخامِسةَ وأنْتِ كاذِبةٌ؛ فَإِنَّها مُوجِبةٌ للعذابِ الشَّديدِ يومَ القيامةِ، «فَتَلَكَّأَتْ»، أي: تَوَقَّفَتْ وتَرَدَّدَتْ وتَأخَّرَتْ بَعضَ الوقتِ في أدائِها، «وَنَكَصَتْ»، أي: رَجَعَتْ إلى الوَراءِ، حَتَّى ظَنُّوا أنَّها سَتَرْجِع عَن إِتْمامِ المُلاعَنة، وتَعْتَرِف بِجَريمتِها، ثمَّ قالت: «لا أفْضَحُ قَوْمي سائِرَ اليَوْمِ»، أي: لا أجْلِب الفَضيحةَ والخِزْيَ والعارَ لِقَوْمي مَدى الحَياةِ، فَمَضَتْ واستَمَرَّتْ وأتَمَّتِ المُلاعَنةَ حِرْصًا منها عَلى سُمْعةِ قَوْمِها، فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أبْصِروها»، أي: راقبوها وانْظُروا إلى ولَدِها وتَأمَّلوا في صُورةِ وجْهِه وجِسْمِه عندَ ولادتِه، «فَإِن جاءَتْ بِه أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ» يَعْني أسْوَدَ الجُفونِ، «سابِغَ الألْيَتَيْنِ»، أي: ممُتلِئَ لحمِ المؤخِّرةِ، «خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ»، أي: عَظيمَ السَّاقينَ، فَهو لِشَريكِ ابنِ سَحْماءَ، أي: ابنُه، فولَدَتْ ولَدًا يُشْبِه شَريكًا في الصِّفاتِ المَذْكورةِ، فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَوْلا ما مَضى مِن كِتابِ اللهِ تَعالى لَكانَ لي ولَها شَأْنٌ»، أي: لَوْلا ما سَبَقَ مِن حُكمِ اللهِ تَعالى بِدَرْءِ الحَدِّ عَن المَرْأةِ بِلِعانِها، لَأقَمتُ الحَدَّ عَلَيْها.
وفي الحَديثِ: الرُّجُوع إلى مَن له الأمرُ في الأحكامِ وفي غوامِضِ الأمورِ؛ مِثلُ العُلَماءِ والحُكَّامِ.
وفيه: أداءُ الأحكامِ على الظَّاهِرِ، واللهُ يَتَوَلَّى السَّرائرَ.
وفيه: أنَّ من قذف زوجتَه بالزِّنا لزمه أحَدُ أمرينِ؛ إمَّا البيِّنةُ، أو اللِّعانُ، فإن عجز عن إقامةِ البَيِّنةِ، وامتنع عن اللِّعانِ، حُدَّ حَدَّ القَذْفِ.