الموسوعة الحديثية


- أنَّ رسولَ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - بعثَ أبا جَهْمِ بنَ حُذَيْفةَ مصدِّقًا فلاحَّه رجلٌ في صدقتِهِ فضربَهُ أبو جَهْمٍ فشجَّهُ فأتوا النَّبيَّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فقالوا : القوَدَ يا رسولَ اللَّهِ ، فقالَ النَّبيُّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - لَكُم كذا وَكَذا ، فلم يَرضَوا ، فقالوا : القوَدَ يا رسولَ اللَّهِ ، فقالَ النَّبيُّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - لَكُم كذا وَكَذا ؟ فلم يَرضَوا ، فقالَ : لَكُم كذا وَكَذا ، فرضُوا ، فقالَ النَّبيُّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - إنِّي خاطبٌ العشيَّةَ على النَّاسِ فمخبرُهُم برِضاكُم ، قالوا : نعَم ، فخطبَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فقالَ : إنَّ هؤلاءِ اللَّيثيِّينَ أتَوني يريدونَ القوَدَ ، ففرضتُ علَيهِم كذا ، وَكَذا فرضوا ، أرضيتُمْ ؟ قالوا : لا ، فَهَمَّ المُهاجرونَ بِهِم ، فأمرَهُم رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - أن يَكُفُّوا عنهم ، فَكَفُّوا عنهم ، فدعاهم فزادَهُم ، فقالَ : أرضيتُمْ ؟ قالوا : نعَم ، قالَ : إنِّي خاطبٌ على المنبرِ فمخبرُهُم برضاكُم ، قالوا : نعَم ، فخطبَ النَّبيُّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فقالَ : أرضيتُمْ ؟ فقالوا : نعَم
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن حزم | المصدر : المحلى | الصفحة أو الرقم : 10/410 | خلاصة حكم المحدث : احتج به ، وقال في المقدمة: (لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند) | التخريج : أخرجه النسائي (8/35)، وابن ماجه (2638)، وأحمد (6/232) باختلاف يسير.

أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعثَ أبا جَهْمِ بنَ حذيفةَ مُصَدِّقًا فلاجَّهُ رجلٌ في صَدَقَتِه فَضربَهُ أبو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَقَالوا القَوَدَ يا رسولَ اللهِ فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَكُمْ كذا وكذا فلمْ يَرْضَوْا فقال لَكُمْ كذا وكذا فلمْ يَرْضَوْا فقال لَكُمْ كذا وكذا فَرَضُوا فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنِّي خَاطِبٌ العَشِيَّةَ على الناسِ ومُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ . فَقَالوا : نَعَمْ ، فَخطبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : إِنَّ هؤلاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ القَوَدَ ، فَعَرَضْتُ عليهم كذا وكذا فَرَضُوا ، أَرَضِيتُمْ ؟ قالوا : لا ! فَهَمَّ المُهاجِرُونَ بِهمْ ، فأمرَهُمْ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أنْ يَكُفُّوا عنهُمْ ، فَكَفُّوا ، ثُمَّ دعاهُمْ فَزَادَهُمْ ، فقال : أَرَضِيتُمْ ؟ فَقَالوا : نَعَمْ ! قال : إنِّي خَاطِبٌ على الناسِ ومُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ . قالوا : نَعَمْ ! فَخطبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : أَرَضِيتُمْ ؟ قالوا : نَعَمْ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 4534 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

في هذا الحديثِ جانِبٌ من حِلْمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَبْرِه وحُسْنِ مُعامَلتِهِ؛ وفيه تُخبِر عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَث أبا جَهْمِ بنَ حُذيفةَ مُصَدِّقًا"، أي: أرسَله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لجَمْعِ الصَّدَقاتِ وأَخْذِها، "فلاجَّهُ رجلٌ في صدَقتِهِ"، أي: نازَعَهُ وخاصَمَهُ، "فضرَبَه أبو جَهْمٍ فشَجَّهُ"، أي: جرَحه في رأسِهِ؛ "فَأَتَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: أهلُ الرَّجلِ الَّذي ضربه أبو جَهْمٍ، "فقالوا: القَوَدَ يا رسولَ اللهِ"، أي: يُريدون القِصاصَ لصاحبِهم من أبي جَهْمٍ؛ "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لكم كذا وكذا"، أي: أراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُعوِّضَهم بالمال على أنْ يَعْفوا، "فَلَمْ يَرْضَوْا"، أي: لم يوافِقوا على عِوَضِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهم؛ وذلك لِأنَّهم استقلُّوا المالَ؛ "فقال: لكم كذا وكذا"، أي: زادهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العِوَضِ، "فَلَمْ يَرْضَوْا"؛ "فقال: لكم كذا وكذا"، أي: فزادَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِلْمرَّةِ الثَّالثةِ، "فَرَضُوا".
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ الرَّجلِ: "إنَّي خاطِبٌ العَشِيَّةَ على النَّاسِ"، أي: إنَّي سأخطُبُ النَّاسَ في وقتِ العِشاءِ، "ومُخْبِرُهُمْ بِرِضاكُمْ"، أي: أنَّكم رَضيتُمْ بالعِوَضِ، "فقالوا: نَعَمْ، فخطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: "إنَّ هؤلاءِ اللَّيْثِيِّينَ"، نِسبة إلى قَبيلتِهم، "أَتَوْني يُريدونَ القَوَدَ"، أي: القِصاصَ، "فعرضْتُ عليهم كذا وكذا فَرَضُوا"، أي: وافقوا على ما أعطيْتُهم مِنَ العِوَضِ، ثمَّ قال لهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَرَضيتُمْ؟"، فقال أهلُ الرَّجلِ: "لا"، أي: أَنكروا ورَفَضوا ما قاله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فَهَمَّ المُهاجِرونَ بهم"، أي: أرادُوا زَجْرَهُمْ وإيقاعَ التَّأديبِ عليهم؛ لإنكارِهم على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فأَمَرهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: أمَرَ المهاجرين، "أنْ يَكُفُّوا عنهم"، أي: يمتنِعوا وينتهوا، "فَكَفُّوا"، أي: فاستجاب المهاجرون لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولأمْرِهِ، "ثمَّ دعاهم فزادهم"، أي: طلب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القومَ وزادهم في العِوَضِ والمالِ، ثمَّ قال لهم: "أَرَضيتُمْ؟"، "فقالوا: نَعَمْ"، "فقال" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّي خاطِبٌ على النَّاسِ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضاكُمْ"، فقال أهلُ الرَّجلِ: "نَعَمْ"، "فخطَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" النَّاسَ، "فقال: أَرَضيتُمْ؟ قالوا: نَعَمْ"؛ ولعلَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فعَلَ هذا وأعْلنَ ذلك على رؤوسِ الأشهادِ لكي لا تُحدِّثَهم أنفسُهم بسُوءٍ بعدَ أنْ يأخُذوا المالَ؛ لأنَّ مِن الناسِ مَن يَأخذُ المالَ بدلَ القَوَدِ، ثم بعدَ ذلك يكونُ في نفْسِه شيءٌ فيَعتدي بعدَ أخْذِ المالِ عِوضًا عن الجِنايةِ التي حصَلَتْ له. أو أرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تَطييبَ خَواطرِهم، واستمالتَها، وكان يُعطيهم ذلك المبلغَ مِن عِندِه؛ فقَصَد أنْ يَحصُل منهم الرِّضا بذلك في الباطِنِ والاستمرارِ عليه.
وفي الحديثِ: طَلَبُ القَوَدِ والقِصاصِ مِنَ الوالي والعامِلِ إذا تناول دمًا بغيرِ حقِّهِ، والإقادةُ منهما كالإقادةِ ممَّن ليسَ بوالٍ.
وفيه: مشروعيَّةُ إرضاءِ المَشْجوجِ بأكثرَ من دِيَةِ الشَّجَّةِ إذا طَلَبَ المشجوجُ القِصاصَ.
وفيه: دليلٌ على أنَّ القولَ في الصَّدَقةِ قولُ رَبِّ المالِ، وأنَّه ليس للسَّاعي ضَرْبُهُ وإكراهُهُ على ما لم يَظْهَرْ له من مالِهِ.