الموسوعة الحديثية


- تَكُونُ الأرْضُ يَومَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً، يَتَكَفَّؤُها الجَبَّارُ بيَدِهِ كما يَكْفَأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ في السَّفَرِ، نُزُلًا لأهْلِ الجَنَّةِ. فأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فقالَ: بارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يا أبا القاسِمِ، ألَا أُخْبِرُكَ بنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ؟ قالَ: بَلَى. قالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً واحِدَةً. كما قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَنَظَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَيْنا ثُمَّ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، ثُمَّ قالَ: ألَا أُخْبِرُكَ بإدامِهِمْ؟ قالَ: إدامُهُمْ بَالَامٌ ونُونٌ، قالوا: وما هذا؟ قالَ: ثَوْرٌ ونُونٌ، يَأْكُلُ مِن زائِدَةِ كَبِدِهِما سَبْعُونَ ألْفًا.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6520 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (6520)، ومسلم (2792).
الآخِرةُ هي الدَّارُ الباقيةُ، والسَّعيدُ هو مَن أكثَرَ مِنَ الأعمالِ الصَّالِحةِ في دُنياه؛ لِتَكونَ نَجاةً له يَومَ تَقومُ الساعةُ.
وفي هذا الحَديثِ يخبرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعضٍ مِن إكرامِ اللهِ للمُؤمِنِين يومَ القيامةِ، فيُخبرُ بأنَّ أرضَ الدُّنيا تكونُ يومَ القيامةِ خُبْزَةً واحدةً، وهو العجينُ يُوضَعُ في الحُفرةِ بعْدَ إيقادِ النَّارِ فيها، فينضجُ ويكونُ قِطعةً واحدةً مُتَّصلةً، «يَتَكفَّؤها»، أي: يُقلِّبها ويُمِيلُها «الجبَّار» وهو اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى «بيَدِه» مِن هاهنا إلى هاهُنا، كما يَقلِبُ أحدُنا خُبْزتَه مِن يَدٍ إلى يَدٍ، بعْدَ أنْ يَجَعلَها في الحُفرةِ بعْدَ إيقادِ النَّارِ فيها حتَّى تنضجَ، وخَصَّ قَولَه: «بالسَّفَرِ»؛ لأنها تُقلَبُ بالأيدي، فيجعَلُها الله سُبحانَه بذلك «نُزُلًا لأهلِ الجنَّةِ» يَأكُلونها في الموقفِ قبْلَ دُخولِها أو بعْدَه، والنُّزلُ: ما يُقدَّمُ للضَّيفِ.
ثمَّ أخبَرَ أبو سَعيدٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا مِن اليهودِ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: «بارَكَ الرَّحمنُ عليك يا أبا القاسِمِ، ألَا أُخبِرُك بنُزُلِ أهلِ الجنَّةِ يومَ القيامةِ؟» قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بلى» أخبِرْني، فقال اليهوديُّ: «تكونُ الأرضُ خُبزةً واحدةً»، بمِثلِ ما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنظَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أصحابِه، ثمَّ ضحِك حتَّى ظهَرت «نَواجِذُه» جمْعُ ناجِذٍ، وهو آخِرُ الأضراسِ، وقدْ يُطلَقُ عليها كلِّها وعلى الأنيابِ. والمعْنى أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعجَبَه إخبارُ اليهوديِّ عن كِتابِهم بنَظيرِ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن جِهةِ الوحْيِ، وقدْ كان يُعجِبه مُوافَقةُ أهلِ الكتابِ فيما لم يَنزِلْ عليه، فكيف بمُوافَقتِهم فيما أُنزِلَ عليه؟ ثمَّ قال اليَهوديُّ: «ألَا أُخبِرُك بإدامِهِم» الذي يَأكُلون به الخُبزَ؟ قال: إدامُهم «بَالامٌ ونُونٌ»، وهي لَفظةٌ عبرانيَّةٌ معْناها الثَّورُ، فقال الصَّحابةُ: وما تَفسيرُ هذا؟ قال اليهوديُّ: «ثَورٌ ونُونٌ» أي: حُوتٌ بَحْري، «يَأكُلُ مِن زائدةِ كَبدِهما» وهي القِطعةُ المنفَرِدةُ المتعلِّقةُ بكَبِدِهما، وهي أَطيبُه، «سبعون ألفًا» وهم الذين يَدخُلون الجنَّةَ بغيرِ حِسابٍ، خُصُّوا بأطيَبِ النُّزلِ، أو لم يُرِدِ الحصْرَ، بلْ أراد العَددَ الكثيرَ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ نَعيمِ أهلِ الجنَّةِ.
وفيه: إخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الغيبِ، وهو مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
وفيه: إثباتُ اليَدِ للهِ تعالى على ما يَليقُ بجَلالِه.
وفيه: أنَّ المُؤمِنين لا يعاقَبون بالجُوعِ في طُولِ زَمانِ المَوقِفِ، بل يَقلِبُ اللهُ لهم بقُدْرَتِه طَبْعَ الأرضِ حتى يأكُلوا منها من تحتِ أقدامِهم ما شاء اللهُ، بغيرِ عِلاجٍ، ولا كُلفةٍ.
وفيه: أنه ينبغي للمُسلِمِ أن يأخُذَ الحقَّ ممَّن قاله، ولا ينظُرَ إلى أهليَّةِ قائِلِه، إذا لم يظهَرْ منه ما يرُدُّه.
وفيه: بيانُ عَجيبِ صُنعِ اللهِ سُبحانَه وَتَعَالَى؛ حيث يجعَلُ الأرضَ التي
نشاهِدُها خُبزةً يأكُلُ أهلُ الجنَّةِ منها!