موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالثُ: مِن مَضارِّ الفُرقةِ وآثارِها على الفردِ: أنَّ الشُّذوذَ عن الجماعةِ شذوذٌ في النَّارِ


عن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ بَني إسرائيلَ افتَرَقَت على إحدى وسَبعينَ فِرقةً، وإنَّ أمَّتي ستفترِقُ على ثِنتَينِ وسَبعينَ فِرقةً كُلُّها في النَّارِ إلَّا واحِدةً، وهي الجماعةُ )) [237] أخرجه من طرق: ابن ماجه (3993) واللَّفظُ له، وأحمد (12208) دونَ ذِكرِ الجماعةِ. صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3993)، وصحَّحه بشواهده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12208)، وصحَّح إسنادَه العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (16)، وجوَّده وقوَّاه على شرط الصَّحيح: ابنُ كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/27). .
قال الشَّاطِبيُّ: (إنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إلَّا واحِدةً» قد أعطى بنصِّه أنَّ الحقَّ واحِدٌ لا يختلِفُ؛ إذ لو كان للحقِّ فِرَقٌ أيضًا لم يقُلْ: «إلَّا واحِدةً»، ولأنَّ الاختِلافَ مَنفيٌّ عن الشَّريعةِ بإطلاقٍ؛ لأنَّها الحاكِمةُ بينَ المُختلِفين، لقَولِه تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59] ، الآية، فردَّ التَّنازُعَ إلى الشَّريعةِ، فلو كانتِ الشَّريعةُ تقتضي الخِلافَ لم يكنْ في الرَّدِّ إليها فائِدةٌ) [238] ((الاعتصام)) (3/193). .
وقال حُذَيفةُ بنُ اليَمانِ رضِي اللهُ عنه: (واللهِ ما فارَق رجُلٌ الجماعةَ شِبرًا إلَّا فارَق الإسلامَ) [239] ((المصنف)) لابن أبي شيبة (7/451) و((السُّنَّة)) للخلال (1/87). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ عامَّةَ المُختلِفينَ هالِكونَ مِن الجانِبَينِ، إلَّا أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ) [240] ((شرح الطحاوية)) (2/545). .
وقال المناويُّ: (اعلَمْ أنَّ جميعَ المذاهِبِ التي فارَقَت الجماعةَ إذا اعتبَرْتَها وتأمَّلْتَها لم تَجِدْ لها أصلًا؛ فلِذلك سُمُّوا فِرَقًا؛ لأنَّهم فارَقوا الإجماعَ، وهذا مِن مُعجِزاتِه؛ لأنَّه إخبارٌ عن غيبٍ وقَع، وهذه الفِرَقُ وإنْ تبايَنَت مَذاهِبُهم مُتَّفِقونَ على إثباتِ الصَّانِعِ، وأنَّه الكامِلُ مُطلَقًا، الغَنيُّ عن كُلِّ شيءٍ، ولا يستَغني عنه شيءٌ، فإن قيل: ما وُثوقُك بأنَّ تلك الفِرقةَ النَّاجيةَ هي أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ معَ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن الفِرَقِ يزعُمُ أنَّه هي دونَ غَيرِه؟ قُلْنا: ليس ذلك بالادِّعاءِ والتَّثبُّتِ باستِعمالِ الوَهمِ القاصِرِ والقولِ الزَّاعِمِ، بل بالنَّقلِ عن جهابِذةِ هذه الصَّنعةِ، وأئمَّةِ أهلِ الحديثِ الذين جمَعوا صِحاحَ الأحاديثِ في أمرِ المُصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأحوالِه وأفعالِه وحَرَكاتِه وسَكَناتِه، وأحوالِ الصَّحبِ والتَّابِعين، كالشَّيخَينِ وغَيرِهما الثِّقاتِ المشاهيرِ، الذين اتَّفَق أهلُ المَشرِقِ والمَغرِبِ على صحَّةِ ما في كُتبِهم، وتكفَّلَ باستِنباطِ معانيها وكَشفِ مُشكِلاتِها؛ كالخَطَّابيِّ، والبَغَويِّ، والنَّوَويِّ، جزاهم اللهُ خيرًا، ثُمَّ بَعدَ النَّقلِ يُنظَرُ إلى مَن تمسَّك بهَديِهم، واقتَفى أثرَهم، واهتَدى بسيرتِهم في الأصولِ والفُروعِ، فيُحكَمُ بأنَّهم هم، وفيه كثرةُ أهلِ الضَّلالِ، وقِلَّةُ أهلِ الكمالِ، والحَثُّ على الاعتِصامِ بالكِتابِ والسُّنَّة، ولُزومِ ما عليه الجَماعةُ) [241] ((فيض القدير)) (2/20). .  

انظر أيضا: