موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابعُ: مِن منهَجِ المُعتَزِلةِ في التَّعامُلِ معَ اللُّغةِ العربيَّةِ لتقريرِ عقائِدِها: حَملُ الألفاظِ العربيَّةِ على ما يتلاءَمُ معَ عقائِدِهم إن تعدَّد مدلولُها معنًى ورَسمًا، مِن غَيرِ مُراعاةٍ للسِّياقِ


مثالُ ما تعدَّد مدلولُه معنًى: اليدُ؛ فإنَّها تأتي لليدِ الحقيقيَّةِ، وبمعنى النِّعمةِ والعَطيَّةِ، ولكنَّ السِّياقَ هو الذي يُحدِّدُ المُرادَ، لكنَّ المُعتَزِلةَ حمَلوها دائِمًا في صفاتِ اللهِ على المعنى الثَّاني.
قال الأخفَشُ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة: 64] ، فذكَروا أنَّها العَطيَّةُ والنِّعمةُ، وكذلك: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] كما تقولُ: إنَّ لفلانٍ عندي يدًا، أي: نِعمةً، وقال: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص: 45] أي: أُولي النِّعَمِ، وقد تكونُ اليدُ في وُجوهٍ: تقولُ: بَينَ يدَيِ الدَّارِ، يعني: قُدَّامَها، وليست للدَّارِ يدانِ) [1445] ((معاني القرآن)) (1/261). .
ومِن هذا البابِ ما حُكِي عن بعضِ المُعتَزِلةِ في قولِ اللهِ تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] أنَّه مِن الكَلْمِ، أي: الجَرْحِ، قالوا: ويكونُ المعنى: (وجرَّح اللهُ موسى بأظافِرِ المِحَنِ ومخالِبِ الفِتَنِ) [1446] يُنظر: ((الكشاف)) للزمخشري (1/314)، ((مفاتيح الغيب)) للرازي (11/87)، ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل (7/136). ! والذي ألجَأهم إلى حَملِ "كلَّم" بالتَّشديدِ على "كلْم" الدَّالةِ على الجَرحِ هو فِرارُهم مِن إثباتِ صفةِ الكلامِ للهِ؛ فوقَعوا في التَّحريفِ.
ومثالُ ما تعدَّد مدلولُه باختِلافِ الرَّسمِ والضَّبطِ: لفظُ الصُّورِ؛ فإنَّه جاء في القرآنِ مقصودًا به الذي يُنفَخُ في القيامةِ، لكنَّ المُعتَزِلةَ لمَّا كانوا لا يُقِرُّونَ بالسَّمعيَّاتِ حمَلوا الصُّورَ على الصُّوَرِ فقالوا: الصُّوَرُ: جمعُ صورةٍ، بمعنى: نفَخ اللهُ في صُوَرِ الأرواحِ [1447] يُنظر: ((الإغفال)) للفارسي (2/470-475)، ((المحيط في اللغة)) لابن عباد (8/180)، ((المحتسب)) لابن جني (2/59). !
وعلى هذا الوَجهِ جرى تفسيرُهم لقولِ اللهِ تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121] بأنَّه أكثَرَ مِن الأكلِ مِن تلك الشَّجَرةِ حتَّى أُتخِمَ، مِن قولِ العربِ: غوى الفصيلُ: إذا أكثَر مِن اللَّبنِ حتَّى تُصيبَه التُّخَمةُ، وذلك بناءً على مفهومِ العِصمةِ عندَهم؛ حيثُ يرَونَ عِصمةَ الأنبِياءِ مِن الكبائِرِ والصَّغائِرِ، وأنَّه لا يجوزُ عليهم الخطأُ مُطلَقًا [1448] يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قُتَيبة (ص: 402)، ويُنظر ردُّ ابنِ قُتَيبة عليهم بعدَ ذلك في (ص: 403) من المرجِعِ نفسِه. .

انظر أيضا: