موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابعُ: موقِفُ المُعتَزِلةِ مِن حدِّ شارِبِ الخَمرِ والنَّبيذِ


تمسَّك بعضُ المُعتَزِلةِ بالرَّأيِ الشَّاذِّ حولَ حدِّ الخمرِ القائِلِ: إنَّ الرَّسولَ لم يفرِضْ في الخمرِ حدًّا، وإنَّه وبعضَ الصَّحابةِ إنَّما ضرَبوا بالجَريدِ والنِّعالِ والأردِيةِ، وعزَف هؤلاء المُعتَزِلةُ عمَّا أجمَع عليه الصَّحابةُ مِن وُجوبِ الحدِّ في الخمرِ [1404] يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (7/169). ، بل وهاجَموا الحدَّ، ومِن ذلك أنَّ جَعفَرَ بنَ مُبشِّرٍ زعَم (أنَّ إجماعَ الصَّحابةِ على حدِّ شارِبِ الخمرِ كان خطأً؛ إذ المُعتبَرُ في الحُدودِ النَّصُّ والتَّوقيفُ) [1405] ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 168)، ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/59). .
والمُلاحَظُ أنَّ النَّصَّ والتَّوقيفَ مُتوفِّرانِ؛ فالاتِّفاقُ كامِلٌ بَينَ الصَّحابةِ والعُلماءِ على أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جلَد مَن شَرِبَ الخمرِ، ولكن ثَمَّةَ اختِلافٌ حولَ عددِ الجَلَداتِ [1406] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/161). .
وقد أطنَب الفُقَهاءُ والمُحدِّثونَ في الحديثِ عن ذلك وسردِ كُلِّ الآراءِ مهما كانت مُتضارِبةً ومُتطرِّفةً، وقد أورَد ابنُ حُجرٍ خُلاصةً حولَ هذا الموضوعِ؛ قال فيها: (قد استقرَّ الإجماعُ على ثُبوتِ حدِّ الخمرِ وأنْ لا قَتلَ فيه، واستمرَّ الاختِلافُ في الأربعينَ والثَّمانينَ) [1407] ((فتح الباري)) (15/80). .
والمُلاحَظُ أنَّ حدَّ النَّبيذِ بدورِه ثمانونَ جَلدةً [1408] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (15/75). ، أي إنَّه مُساوٍ لحدِّ الخمرِ؛ فقد قرَّر الفُقهاءُ وُجوبَ جلدِ مَن شرِب خمرًا أو نبيذًا مُسكِرًا ثمانينَ، سواءٌ سكِر أو لم يسكَرْ [1409] ((الرسالة)) لأبي زيد القيرواني (ص: 440). .
وخالَف عَمرُو بنُ عُبَيدٍ؛ فنسَب إلى الحسنِ البَصريِّ أنَّه قال: إنَّ السَّكرانَ مِن النَّبيذِ لا يُجلَدُ، وقد أكذَبه أيُّوبُ السَّختيانيُّ، وقال: أنا سمعْتُ الحَسنَ يقولُ: يُجلَدُ [1410] يُنظر: ((مقدمة مسلم)) (1/23)، ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/276). .

انظر أيضا: