موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: إنكارُ المُعتَزِلةِ شفاعةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


الشَّفاعةُ التي أثبَتها أهلُ السُّنَّةِ أربعةُ أنواعٍ:
1- الخَلاصُ مِن هولِ الموقِفِ، وهي خاصَّةٌ بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
2- الشَّفاعةُ في قومٍ يدخُلونَ الجنَّةَ بغيرِ حِسابٍ.
3- الشَّفاعةُ في رفعِ الدَّرَجاتِ.
4- الشَّفاعةُ في إخراجِ عُصاةِ المُؤمِنينَ مِن النَّارِ.
والمُعتَزِلةُ وإن اشترَطوا في النَّوعِ الثَّاني مِن الشَّفاعةِ أن تكونَ خاصَّةً بمَن لا تَبِعةَ عليه؛ فإنَّهم قَبِلوا النَّوعَينِ الأوَّلَ والثَّالثَ، في حينِ ردُّوا النَّوعَ الرَّابعَ [1372] ((فتح الباري)) لابن حجر (17/237). ؛ لأنَّهم يُنكِرونَ شفاعةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ الكبائِرِ مِن الأمَّةِ الإسلاميَّةِ [1373] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (2/166). مُستنِدينَ إلى المُتشابِهِ مِن قولِ اللهِ تعالى: فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر: 48] ، ولأنَّها تُخالِفُ مبدأَهم في الوعدِ والوعيدِ.
وقد شذَّ عنهم أبو هاشِمِ بنُ الجُبَّائيِّ؛ حيثُ أقرَّ الشَّفاعةَ معَ كونِ الشَّفيعِ ساخِطًا، وقال: (قد تصِحُّ بلا توبةٍ) [1374] يُنظر: ((فضل الاعتزال)) (ص: 208). .
أمَّا القاضي عبدُ الجبَّارُ فيُقِرُّ شفاعةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكنَّه يجعَلُها خاصَّةً بأهلِ الثَّوابِ دونَ أهلِ العِقابِ، ولأولياءِ اللهِ دونَ أعدائِه، وتتمثَّلُ شفاعتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أن يزيدَهم مِن الفَضلِ والتَّعظيمِ في الجنَّةِ، هذا هو مفهومُ الشَّفاعةِ التي يُثبِتُها ويُخَطِّئُ مَن يُنكِرُها خطأً عظيمًا [1375] يُنظر: ((فضل الاعتزال)) (ص: 207). ، مُستدِلًّا على ما ذهَب إليه بقولِ اللهِ تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18] ، فأهلُ النَّارِ عندَه يستحِقُّونَ (اللَّعنَ والغَضبَ والسَّخَطَـ فكيف يجوزُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يشفَعَ لهم؟ ومِن حقِّ الشَّافِعِ أن يكونَ مُحبًّا لمَن يشفَعُ له، راضيًا عنه، وهذا يوجِبُ إن كان عليه السَّلامُ يشفَعُ لهم أن يكونَ راضيًا عمَّن سخِط عليه ولعَنه، وذلك لا يصِحُّ) [1376] ((فضل الاعتزال)) (ص: 208). .
فهم يَصدُرونَ في إنكارِهم للشَّفاعةِ عن إيمانِهم بالوعدِ والوعيدِ؛ وَعدِ اللهِ للأتقياءِ المُطيعينَ، ووعيدِه للمُذنِبينَ، وقد سبقَت كَلِمةُ اللهِ بذلك، ولا مُبدِّلَ لكلماتِه؛ فإذا خرَج المُؤمِنُ مِن الدُّنيا عن طاعةٍ وتوبةٍ استحقَّ الثَّوابَ، وإذا خرَج عن كبيرةٍ ولم يتُبْ خُلِّد في النَّارِ [1377] يُنظر: ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 51). ويُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/52). ؛ إذ لا يصِحُّ خُروجُهم منها؛ لأنَّهم مِن أهلِ العِقابِ، ولا يجوزُ معَ ذلك أن يكونوا مِن أهلِ الثَّوابِ؛ لأنَّ ذلك كالمُتضادِّ [1378] يُنظر: ((فضل الاعتزال)) للبلخي وعبد الجبار والجشمي (ص: 209). .
وهُم وإن خلَّدُوهم في النَّارِ فإنَّهم جعَلوا عذابَهم أخَفَّ مِن عذابِ الكافِرينَ.
وبموقِفِهم هذا يكونونَ قد أنكَروا أمرًا ثبَت بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ؛ فقد جاء عن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولُه: ((شفاعتي لأهلِ الكبائِرِ مِن أمَّتي )) [1379] أخرجه من طُرُقٍ: أبو داود (4739) والترمذي (2435) وأحمد (13222) من حديثِ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6468)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4739)، والوادعي في ((الشفاعة)) (100)، وصحَّحه بطُرُقِه وشواهِدِه شعيبٌ الأرناؤوطُ في تخريجِ ((شرح الطحاوية)) (290)، وقال التِّرمذيُّ: حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ. ، وبناءً على ذلك فقد أتَت السُّنَّةُ بأنَّ اللهَ يُخرِجُ قومًا مِن النَّارِ بشفاعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1380] يُنظر: ((موعظة المؤمنين)) للقاسمي (1/10). .

انظر أيضا: