موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: مِن مَضارِّ الفُرقةِ وآثارِها على الفردِ: الدُّخولُ تَحتَ الوعيدِ الشَّديدِ مِن اللهِ تعالى لأهلِ الفُرقةِ


توعَّد اللهُ سُبحانَه المُفارِقَ للجماعةِ المُسلِمةِ في نُصوصٍ عديدةٍ، فقال اللهُ تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] .
قال ابنُ كَثيرٍ: (قولُه: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، أي: ومَن سلَك غَيرَ طريقِ الشَّريعةِ التي جاء بها الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصار في شَقٍّ والشَّرعُ في شَقٍّ، وذلك عن عَمدٍ منه بَعدَما ظهَر له الحقُّ، وتبيَّن له واتضَّح، وقولُه: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، هذا مُلازِمٌ للصِّفةِ الأولى، ولكن قد تكونُ المُخالَفةُ لنصِّ الشَّارِعِ، وقد تكونُ لِما أجمعَت عليه الأمَّةُ المُحمَّديَّةُ فيما عُلِم اتِّفاقُهم عليه تحقيقًا؛ فإنَّه قد ضُمِنَت لهم العِصمةُ في اجتِماعِهم مِن الخطأِ؛ تشريفًا لهم، وتعظيمًا لنبيِّهم) [234] ((تفسير ابن كثير)) (2/412). .
ويكفي أهلَ الفُرقةِ أصحابَ البِدَعِ وعيدًا لهم أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منهم بريءٌ، وهُم منه بُرآءُ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159] .
قال السَّعديُّ: (يتوعَّدُ تعالى الذين فرَّقوا دينَهم، أي: شتَّتوه وتفرَّقوا فيه، وكُلٌّ أخَذ لنَفسِه نَصيبًا مِن الأسماءِ التي لا تُفيدُ الإنسانَ في دينِه شيئًا، كاليهوديَّةِ والنَّصرانيَّةِ والمجوسيَّةِ، أو لا يَكمُلُ بها إيمانُه- بأن يأخُذَ مِن الشَّريعةِ شيئًا، ويجعَلَه دينَه، ويدَعَ مِثلَه، أو ما هو أَولى منه، كما هو حالُ أهلِ الفُرقةِ مِن أهلِ البِدَعِ والضَّلالِ والمُفرِّقينَ للأمَّةِ، ودلَّت الآيةُ الكريمةُ أنَّ الدِّينَ يأمُرُ بالاجتِماعِ والائتِلافِ، وينهى عن التَّفرُّقِ والاختِلافِ في أهلِ الدِّينِ، وفي سائِرِ مسائِلِه الأصوليَّةِ والفُروعيَّةِ، وأمَره أن يتبرَّأَ ممَّن فرَّقوا دينَهم، فقال: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، أي: لسْتَ منهم وليسوا منك؛ لأنَّهم خالَفوك وعانَدوك، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ، يُرَدُّونَ إليه، فيُجازيهم بأعمالِهم) [235] ((تفسير السعدي)) (ص: 282). .

انظر أيضا: