موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: رأيُ المُعتَزِلةِ في الوسيلةِ في الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وحُكمُ الخُروجِ على السُّلطانِ وقِتالِ المُخالِفِ لهم، وهل يُفرِّقونَ بَينَ قِتالِ الكافِرِ والفاسِقِ


قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (اعلَمْ أنَّ المقصودَ بالأمرِ بالمعروفِ إيقاعُ المعروفِ، وبالنَّهيِ عن المُنكَرِ زوالُ المُنكَرِ، فإذا ارتفَع الغَرضُ بالأمرِ السَّهلِ لم يجُزِ العُدولُ عنه إلى الأمرِ الصَّعبِ) [1130] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 144). .
وقال الزَّمَخشَريُّ وهو يتكلَّمُ عن رأيِ المُعتَزِلةِ: (وعليه أن يُباشِرَ الإنكارَ بالسَّهلِ، فإن لم ينفَعْ ترقَّى إلى الصَّعبِ؛ لأنَّ الغرضَ هو إزالةُ المُنكَرِ) [1131] ((الكشاف)) (1/452). .
وقال الأشعَريُّ: (أجمَعَت المُعتَزِلةُ -إلَّا الأصَمَّ- على وُجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، باللِّسانِ واليدِ والسَّيفِ، كيف قَدَروا على ذلك) [1132] ((مقالات الإسلاميين)) (1/278). .
وقال أيضًا: (إنَّ المُعتَزِلةَ قالوا: إذا كنَّا جماعةً وكان الغالِبُ عندَنا أنَّا نكفي مُخالِفينا، عقَدْنا للإمامِ، ونهضْنا فقتلْنا السُّلطانَ وأزلْناه، وأخذْنا النَّاسَ بالانقِيادِ لقولِنا، فإن دخَلوا في قولِنا الذي هو التَّوحيدُ، وفي قولِنا بالقَدَرِ، وإلَّا قتَلْناهم، وأوجَبوا الخُروجَ على السُّلطانِ على الإمكانِ والقُدرةِ إذا أمكَنهم ذلك وقدَروا عليه!) [1133] ((مقالات الإسلاميين)) (1/278). .
وقال المسعوديُّ وهو يحكي رأيَ المُعتَزِلةِ في وُجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ: (وأمَّا القولُ بوُجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وهو الأصلُ الخامِسُ، فهو أنَّ ما ذُكِر على سائِرِ المُؤمِنينَ واجِبٌ على حسَبِ استِطاعتِهم في ذلك بالسَّيفِ فما دونَه، وإن كان كالجهادِ، ولا فرقَ بَينَ مُجاهَدةِ الكافِرِ والفاسِقِ) [1134] ((مروج الذهب)) (1/235). .
مِن هذه الأقوالِ يتبيَّنُ أنَّ المُعتَزِلةَ يرَونَ أنَّ الوسيلةَ في الأمرِ بالمعروفِ أن يُبدَأَ بالحُسنى، فإن لم يُفِدِ انتقَلْنا إلى اللِّسانِ، فإن لم يُفِدِ انتقَلْنا إلى اليدِ، فإن لم يُفِدِ انتقَلْنا إلى السَّيفِ؛ فهُم إذًا يبدؤونَ مِن الأسهَلِ إلى ما هو أكبَرُ منه، ولو أحوَج الأمرُ إلى السَّيفِ في الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، فلا بأسَ في ذلك.
ثُمَّ هم بناءً على استِعمالِ السَّيفِ في الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ يرَونَ قِتالَ المُخالِفِ لهم، سواءٌ كان سُلطانًا أو غَيرَه مِن عامَّةِ النَّاسِ إذا كانوا جماعةً وفي مقدورِهم ذلك؛ ولذا قالوا بوُجوبِ الخُروجِ على السُّلطانِ الجائِرِ، وقِتالِ المُخالِفينَ لهم، كما يتبيَّنُ أنَّهم لا يُفرِّقونَ بَينَ قِتالِ الكافِرِ والفاسِقِ، وقد تعلَّقوا في قولِهم: الوسيلةُ في الأمرِ بالمعروفِ أن يُبدَأَ بالحُسنى حتَّى السَّيفِ، بشُبُهاتٍ؛ منها: قولُه تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات: 9] ، قالوا: إنَّ اللهَ تعالى أمَر بإصلاحِ ذاتِ البَينِ أوَّلًا، ثُمَّ انتقل منه إلى المُقاتَلةِ؛ ممَّا يدُلُّ على ما قُلْناه مِن أنَّ الوسيلةَ تبدَأُ بالأسهَلِ إلى الأكبَرِ، وأنَّ المُقاتَلةَ مِن وسائِلِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ [1135] يُنظر: ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (ص: 144). ، هذا مُجمَلُ قولِ المُعتَزِلةِ في هذه المسائِلِ الثَّلاثِ. واللهُ أعلَمُ.

انظر أيضا: