موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ عندَ المُعتَزِلةِ


لمعرفةِ حُكمِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ عندَ المُعتَزِلةِ لا بُدَّ أن نسوقَ شيئًا مِن أقوالِهم في ذلك.
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (اعلَمْ أنَّه لا خِلافَ في وُجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ) [1120] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 142). .
وقال أيضًا: (اعلَمْ أنَّ المقصودَ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ هو: ألَّا يضيعَ المعروفُ، ولا يقعَ المُنكَرُ؛ فإذا ارتفَع هذا الغَرَضُ ببعضِ المُكلَّفينَ سقَط عن الباقينَ؛ فلهذا قُلْنا: إنَّه مِن فُروضِ الكِفاياتِ) [1121] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 148). .
وقال الزَّمَخشَريُّ: (الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ مِن فُروضِ الكِفاياتِ) [1122] ((الكشاف)) (1/452). .
مِن هذه الأقوالِ يتَّضِحُ حُكمُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ عندَ المُعتَزِلةِ، وهو أنَّه واجِبٌ كِفائيٌّ.
أدلَّةُ المُعتَزِلةِ على وُجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ وأنَّه كِفائيٌّ
أوَّلًا: أدلَّةُ المُعتَزِلةِ على وُجوبِه
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (الذي يدُلُّ على وُجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ.
أمَّا الكتابُ فقولُه تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران: 110] ؛ فاللهُ تعالى مدَحَنا على ذلك، فلولا أنَّها مِن الحَسَناتِ الواجِباتِ، وإلَّا لم يَفعَلْ ذلك.
وأمَّا السُّنَّةُ فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليس لعَينٍ ترى اللهَ يُعصى فتَطرِفُ، حتَّى تُغيِّرَ أو تنتقِلَ)) [1123] لم نَقِفْ عليه مرفوعًا، ولكِنْ أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (35) عن الحسَنِ بنِ عليِّ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: (كان يقالُ: لا يحِلُّ لعينٍ مُؤمنةٍ ترى اللهَ يُعصى فتَطرِفُ حتَّى تُغَيِّرَه). .
وأمَّا الإجماعُ فلا إشكالَ فيه؛ لأنَّهم اتَّفَقوا عليه) [1124] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 145). .
ثانيًا: أدلَّةُ المُعتَزِلةِ على أنَّ الأمرَ بالمعروفِ كِفائيٌّ
أدلَّةُ المُعتَزِلةِ في هذا كثيرةٌ؛ منها:
مِن الكتابِ: قولُ اللهِ تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] .
قال الزَّمَخشَريُّ: (إنَّ "مِن" في قولِه تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ للتَّبعيضِ؛ لأنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ مِن فُروضِ الكِفاياتِ) [1125] ((الكشاف)) (1/452). .
ومِن السُّنَّةِ: قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقد سُئِل وهو على المِنبَرِ: مَن خيرُ النَّاسِ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((آمَرُهم بالمعروفِ، وأنهاهم عن المُنكَرِ، وأتقاهم للهِ وأوصَلُهم)) [1126] أخرجه أحمد (27434)، والطبراني (24/257) (657)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7950) ولَفظُ أحمدَ: عن دُرَّةَ بنتِ أبي لهبٍ، قالت: (قام رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على المِنبَرِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خيرُ النَّاسِ أقرَؤُهم وأتقاهم، وآمَرُهم بالمعروفِ وأنهاهم عن المنكَرِ، وأوصَلُهم للرَّحِمِ). ضعَّفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (2897)، وضعَّف إسنادَه شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27434). ؛ ففي هذا الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ لا يجِبُ وُجوبَ عَينٍ؛ إذ إنَّ الأمرَ فيه للتَّرغيبِ، ولو كان واجِبًا وُجوبَ عَينٍ لَما كان كذلك [1127] يُنظر: ((الكشاف)) للزمخشري (1/452). .

انظر أيضا: