موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: حقيقةُ المنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ عندَ المُعتَزِلةِ


قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (الأصلُ في ذلك أنَّ هذه العبارةَ إنَّما تُستعمَلُ في شيءٍ بَينَ شيئَينِ ينجذِبُ إلى كُلِّ واحِدٍ منهما بشَبَهٍ، هذا في أصلِ اللُّغةِ، وأمَّا في اصطِلاحِ المُتكلِّمينَ فهو العِلمُ بأنَّ لصاحِبِ الكبيرةِ اسمًا بَينَ الاسمَينِ، وحُكمًا بَينَ الحُكمَينِ) [1077] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 137). .
وشرَح القاضي هذا التَّعريفَ، فقال: (إنَّ صاحِبَ الكبيرةِ له اسمٌ بَينَ الاسمَينِ، فلا يكونُ اسمُه اسمَ الكافِرِ، ولا اسمَ المُؤمِنِ، وإنَّما يُسمَّى فاسِقًا، وكذلك صاحِبُ الكبيرةِ له حُكمٌ بَينَ الحُكمَينِ، فلا يكونُ حُكمُه حُكمَ الكافِرِ ولا حُكمَ المُؤمِنِ، بل يُفرَدُ له حُكمٌ ثالِثٌ، وهذا الحُكمُ الذي ذكَرْناه هو سببُ تلقيبِ المسألةِ بالمنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ؛ فإنَّ صاحِبَ الكبيرةِ له منزِلةٌ تتجاذَبُها هاتانِ المنزِلتانِ، فليست منزِلتُه منزِلةَ الكافِرِ ولا منزِلةَ المُؤمِنِ، بل له منزِلةٌ بَينَهما) [1078] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 697). .
وقال ابنُ المُرتَضى: (أمَّا ما أجمَعَت عليه المُعتَزِلةُ فقد أجمعَت على المنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ، وهو أنَّ الفاسِقَ لا يُسمَّى مُؤمِنًا ولا كافِرًا) [1079] ((المُنْية والأمل)) (ص: 6). .
وقال الإسْفِرايِينيُّ: (ممَّا اتَّفقَت عليه المُعتَزِلةُ مِن فضائِحِهم قولُهم: إنَّ حالَ الفاسِقِ المِلِّيِّ يكونُ في منزِلةٍ بَينَ المنزِلتَينِ؛ لا هو مُؤمِنٌ، ولا كافِرٌ، وإن هو خرَج مِن الدُّنيا قَبلَ أن يتوبَ يكونُ مُخلَّدًا في النَّارِ، ولا يجوزُ للهِ تعالى أن يغفِرَ له أو يرحَمَه، أي: إنَّ مُرتكِبَ الكبيرةِ بكونِه يُشبِهُ المُؤمِنَ في عَقدِه، ولا يُشبِهُه في عَملِه، ويُشبِهُ الكافِرَ في عَملِه، ولا يُشبِهُه في عَقدِه؛ أصبَح وسَطًا بَينَ الاثنَينِ، وتَبعًا لهذا يكونُ عذابُه أقَلَّ مِن عذابِ الكافِرِ) [1080] ((التبصير في الدين)) (ص: 42). .

انظر أيضا: