موسوعة الفرق

الفصلُ الثَّامنُ: مِن أسبابِ التَّفرُّقِ: التَّشبُّهُ بالكافِرينَ، واتِّباعُ سَنَنِهم


حذَّرَنا اللهُ تعالى ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن اتِّباعِ سَننِ الكافِرينَ، وخاصَّةً أهلَ الكتابَينِ، وأخبَرَنا أنَّ أمَّتَه ستتَّبِعُ السَّننَ الماضِيةَ الضَّالَّةَ، وأنَّها ستفترِقُ كما افترَقوا.
عن أبي سعيدِ الخُدْريِّ رضِي اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَتتَّبِعُنَّ سَننَ مَن كان قَبلَكم شِبرًا شِبرًا، وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دخَلوا جُحرَ ضَبٍّ تبِعْتُموهم، قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنَّصارى؟ قال: فمَن؟! )) [220] رواه البخاري (7320) واللَّفظُ له، ومسلم (2669). .
قال الصَّنعانيُّ: (الحديثُ إعلامٌ وإخبارٌ بأنَّ الأمَّةَ -والمُرادُ غالِبُها- تُشابِهُ الأمَمَ في المعاصي وباقي أنواعِ ما يأتونَه غَيرَ الكُفرِ، وهو تحذيرٌ عن تشابُهِ مَن قَبلَهم في أفعالِهم وأخلاقِهم، وقد صدَق إخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد سلَك النَّاسُ مسالِكَ الأمَمِ في الابتِداعِ والاتِّساعِ وإقامةِ الحُدودِ على الضُّعَفاءِ دونَ الشُّرَفاءِ، وقَبولِ الرِّشا، والاتِّساعِ في شَهَواتِ الدُّنيا، وزَخرفةِ المساجِدِ، واتِّخاذِ القُبورِ أوثانًا، وغَيرِ ذلك ممَّا يعرِفُه كُلُّ عارِفٍ) [221] ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (9/ 28). .
وقد جاءت نُصوصٌ كثيرةٌ تأمُرُنا بمُخالَفةِ الكُفَّارِ، وتنهى عن التَّشبُّهِ بهم، ولقد خُصَّت الفُرقةُ بمزيدِ ذِكرٍ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ حيثُ جاء النَّهيُ عن مُشابَهةِ الكافِرينَ في تفرُّقِهم خاصَّةً  [222] يُنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/101). ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 105] .
وأمَر اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه بمُخالَفةِ الكافِرينَ وعَدمِ اتِّباعِ أهوائِهم؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية: 18] ، وقال اللهُ سبحانَه: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ [الرعد: 37] .
والنَّاظِرُ لأحوالِ الأمَّةِ يجِدُ أنَّ الفُرقةَ دبَّت بَينَ المُسلِمينَ، والبِدعةَ فشَت فيهم، وفي كثيرٍ منها مُشابَهةٌ ومُضاهاةٌ للكافِرينَ، مِثلُ: الغُلوِّ في الصَّالِحينَ، وكَتمِ العِلمِ أو تحريفِه كما فعَلَت اليهودُ، أو جَحدِ الحقِّ الذي معَ المُخالِفِ كما فعَلَت اليهودُ والنَّصارى، والغُلوِّ في الدِّينِ والابتِداعِ فيه؛ مِن البِناءِ على القُبورِ، واتِّخاذِ العِباداتِ والأعيادِ التي لم يَشْرَعْها اللهُ ولا رسولُه، والذي مِن شأنِه أن يَحرُفَ النَّاسَ عن الصِّراطِ المُستقيمِ، ويُلجِئَهم للسُّبلِ المُفرِّقةِ للأمَّةِ  [223] يُنظر: ((دراسات في الأهواء والفرق والبدع)) لناصر العقل (ص: 357 – 360)، ((التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي)) لجميل اللويحق (ص: 49، 52، 177، 339). .

انظر أيضا: