موسوعة الفرق

الفَرعُ الثَّاني: رأيُ المُعتَزِلةِ في الصَّلاحِ والأصلَحِ


لمعرفةِ رأيِ المُعتَزِلةِ في الصَّلاحِ والأصلَحِ لا بُدَّ أن نسوقَ شيئًا مِن أقوالِهم أو أقوالِ مَن نقَل عنهم:
قال النَّظَّامُ: (إنَّ اللهَ لا يقدِرُ على أن يفعَلَ بعِبادِه خِلافَ ما فيه صلاحُهم، ولا يقدِرُ أن ينقُصَ مِن نعيمِ أهلِ الجنَّةِ ذرَّةً؛ لأنَّ نعيمَهم صلاحٌ لهم، ونُقصانُ ما فيه صلاحُهم ظُلمٌ) [937] يُنظر: ((الانتصار)) للخيَّاط (ص: 21، 22، 25)، ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 115)، ((الملل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/59). .
وقال الشَّهْرَسْتانيُّ -وهو يبيِّنُ رأيَ المُعتَزِلةِ في الصَّلاحِ والأصلَحِ-: (اتَّفَقوا على أنَّ اللهَ تعالى لا يفعَلُ إلَّا الصَّلاحَ والخيرَ، ويجِبُ مِن حيثُ الحِكمةُ رِعايةُ مصالِحِ العِبادِ، وأمَّا الأصلَحُ... ففي وُجوبِه خِلافٌ عندَهم) [938] ((المِلَل والنِّحَل)) (1 /45). .
وقال أيضًا: (قالت المُعتَزِلةُ: الحكيمُ لا يفعَلُ فِعلًا إلَّا لحِكمةٍ وغَرضٍ، والفِعلُ مِن غَيرِ غَرضٍ سَفهٌ وعَبثٌ، والحكيمُ مَن يفعَلُ لأحدِ أمرَينِ؛ إمَّا أن ينتفِعَ أو ينتفِعَ غَيرُه، ولمَّا تقدَّس الرَّبُّ تعالى عن الانتِفاعِ تعيَّن أنَّه إنَّما يفعَلُ لينفَعَ غَيرَه، فلا يخلو فِعلٌ مِن أفعالِه مِن صلاحٍ. ثُمَّ الأصلَحُ: هل تجِبُ رِعايتُه؟ قال بعضُهم: تجِبُ، كرِعايةِ الصَّلاحِ، وقال بعضُهم: لا تجِبُ، إذًا: الأصلَحُ لا نهايةَ له، فلا أصلَحَ إلَّا وفَوقَه ما هو أصلَحُ منه) [939] ((نهاية الإقدام)) (ص: 397- 398). .
وقال الأشعَريُّ وهو يحكي رأيَ جُمهورِ المُعتَزِلةِ في الأصلَحِ: (قال جُمهورُ المُعتَزِلةِ: إنَّ اللهَ لا يفعَلُ بالعِبادِ كُلِّهم إلَّا ما هو أصلَحُ لهم في دينِهم وأدعى لهم إلى العمَلِ بما أمَرهم به، وأنَّه لا يدَّخِرُ عنهم شيئًا يعلَمُ أنَّهم يحتاجونَ إليه في أداءِ ما كلَّفهم به...، وقالوا في الجوابِ عن مسألةِ مَن سألهم: "هل يَقدِرُ اللهُ تعالى أن يَفعَلَ بعِبادِه أصلَحَ ممَّا فعَله بهم؟"، قالوا: إن أردْتَ أنَّه يَقدِرُ على أمثالِ الذي هو أصلَحُ فاللهُ يَقدِرُ على أمثالِه إلى ما لا غايةَ له ولا نهايةَ، وإن أردْتَ: يَقدِرُ على شيءٍ أصلَحَ مِن هذا، أي: يفوقُه في الصَّلاحِ قد ادَّخَره عن عبادِه، فلم يفعَلْه بهم معَ عِلمِه بحاجتِهم إليه في أداءِ ما كلَّفهم به؛ فإنَّ أصلَحَ الأشياءِ هو الغايةُ، ولا شيءَ يُتوهَّمُ وراءَ الغايةِ فيُقدَرَ عليه، أو يُعجَزَ عنه) [940] ((مقالات الإسلاميين)) (1/288). .
مِن هذه النُّصوصِ يظهَرُ أنَّ المُعتَزِلةَ قد اتَّفَقوا على أنَّ اللهَ تعالى لا يفعَلُ إلَّا الصَّلاحَ والخيرَ، بل ويجِبُ عليه ذلك.
وأمَّا الأصلَحُ: فقد اختلَفوا فيه؛ فجُمهورُهم: يرَونَ وُجوبَه على اللهِ؛ لأنَّ أصلَحَ الأشياءِ عندَهم هو الغايةُ، وقد فعَله اللهُ بعِبادِه، ولا شيءَ يُتوهَّمُ وراءَ الغايةِ، فيجِبُ أو لا يجِبُ.
وبعضُهم ذهَب إلى أنَّه لا يجِبُ على اللهِ رعايةُ الأصلَحِ لعِبادِه، كبِشرِ بنِ المُعتمِرِ [941] ((مقالات الإسلاميين)) (1/287). ؛ لأنَّ الأصلَحَ لا غايةَ ولا نهايةَ له [942] يُنظر: ((نهاية الإقدام)) للشَّهْرَسْتانيِّ (ص: 397-398). ويُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/287-288). .
والخُلاصةُ: أنَّ المُعتَزِلةَ يقولونَ بوُجوبِ الصَّلاحِ والأصلِحِ، ما عدا بِشرَ بنَ المُعتمِرِ ومَن تابَعه؛ فإنَّهم خالَفوا في وُجوبِ الأصلَحِ فقط.

انظر أيضا: