موسوعة الفرق

تمهيدٌ: علاقةُ العدلِ بالتوحيدِ


يُعتبَرُ العَدلُ ثانيَ أهَمِّ أُصولِ المُعتَزِلةِ، وكان للمُعتَزِلةِ اهتِمامٌ به وبإبرازِ حقيقتِه. وأمَّا عن وَجهِ علاقةِ هذا الأصلِ بسابِقِه -وهو "التَّوحيدُ"-؛ فإنَّ البَحثَ في العدلِ عندَ المُعتَزِلةِ بحثٌ في أفعالِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، وأفعالُه تأتي بَعدَ إثباتِه وإثباتِ صفاتِه، وعلى ذلك فمجيءُ العدلِ بَعدَ التَّوحيدِ؛ لأنَّه ينبني عليه.
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (أمَّا الأصلُ الثَّاني مِن الأُصولِ الخمسةِ، وهو الكلامُ في العدلِ، وهو كلامٌ يرجِعُ إلى أفعالِ القديمِ تعالى، وما يجوزُ عليه، وما لا يجوزُ؛ فلذلك أوجَبْنا تأخيرَ الكلامِ في العدلِ في الكلامِ في التَّوحيدِ) [808] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 301). .
وقال أيضًا وهو يتكلَّمُ عن كيفيَّةِ ترتيبِ عُلومِ التَّوحيدِ والعَدلِ: (الأصلُ في ذلك أنَّ الذي يلزَمُ العِلمُ به أوَّلًا: هو التَّوحيدُ، ويُرتَّبُ عليه العدلُ؛ لوَجهَينِ:
أحدُهما: أنَّ العِلمَ بالعَدلِ عِلمٌ بأفعالِه تعالى؛ فلا بُدَّ مِن تقدُّمِ العِلمِ بذاتِه ليصِحَّ أن نتكلَّمَ في أفعالِه التي هي كلامٌ في غَيرِه.
الثَّاني: أنَّا إنَّما نستدِلُّ على العَدلِ بكونِه علَّامًا وغنيًّا، وذلك مِن بابِ التَّوحيدِ، فلا بُدَّ مِن تقدُّمِ العِلمِ بالتَّوحيدِ؛ لينبنيَ العَدلُ عليه) [809] ((المحيط بالتكيف)) (ص: 21). .
حقيقةُ العَدلِ عندَ المُعتَزِلةِ:
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (اعلَمْ أنَّ العَدلَ مصدَرُ عدَل يعدِلُ عَدلًا، كما أنَّ الضَّربَ مصدَرُ ضرَب يضرِبُ ضَربًا، وقد يُذكَرُ ويُرادُ به الفِعلُ، ويُذكَرُ ويُرادُ به الفاعِلُ؛ فإن وُصِف به الفِعلُ فالمُرادُ به كُلُّ فِعلٍ حَسنٍ يفعَلُه الفاعِلُ لِينفَعَ به غَيرَه أو لِيضُرَّه) [810] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 301). .
ويرى القاضي أنَّ هذا التَّعريفَ يقتضي أن يكونَ خَلقُ العالَمِ مِن اللهِ تعالى عَدلًا؛ لأنَّ هذا المعنى فيه؛ ولذا يُعرِّفُه بتعريفٍ آخَرَ، فيقولُ: (الأَولى أن نقولَ: هو توفيرُ حقِّ الغَيرِ واستيفاءُ الحقِّ منه) [811] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 301). .
فأمَّا إذا وُصِف به الفاعِلُ فعلى طريقِ المُبالَغةِ، كقولِهم للصَّائِمِ: صَومٌ، وللرَّاضي: رِضا، وللمُنوِّرِ: نورٌ [812] يُنظر: ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (ص: 301). ، والمُرادُ به: فاعِلُ هذه الأمورِ، هذا في أصلِ اللُّغةِ.
أمَّا العَدلُ في اصطِلاحِ المُتكلِّمينَ فالمُرادُ به: أنَّ أفعالَه تعالى كُلَّها حَسنةٌ، وأنَّه لا يفعَلُ القبيحَ، ولا يُخِلُّ بما هو واجِبٌ عليه [813] يُنظر: ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (ص: 301). .

انظر أيضا: