موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: حقيقةُ الكلامِ عندَ المُعتَزِلةِ


هو الحروفُ المنظومةُ، والأصواتُ المُقطَّعةُ، شاهِدًا وغائِبًا [689] يُنظر: ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (ص: 528)، ((نهاية الإقدام)) للشَّهْرَسْتانيِّ (ص: 388). .
وقد انتقَد القاضي عبدُ الجبَّارِ هذا التَّعريفَ؛ لأنَّ فيه إخراجًا لِما يتألَّفُ مِن حرفَينِ مِن أن يكونَ كلامًا، وفيه ضَربًا مِن التَّكرارِ؛ لأنَّ الأصواتَ المُقطَّعةَ هي الحروفُ المنظومةُ؛ ولذلك فقد عرَّفه بتعريفٍ آخَرَ، فقال: (هو ما انتظَم مِن حرفَينِ فصاعِدًا، أو ما له نِظامٌ مِن الحُروفِ مخصوصٌ) [690] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 529). .
واختلَف المُعتَزِلةُ في الكلامِ، هل هو جسمٌ أم عَرَضٌ، على أقوالٍ؛ أهَمُّها ما يلي:
القولُ الأوَّلُ: أنَّ كلامَ اللهِ جسمٌ، وأنَّه مخلوقٌ.
القولُ الثَّاني: رأيُ النَّظَّامِ وأصحابِه: وهو أنَّ كلامَ الخَلقِ عَرَضٌ، وهو حركةٌ؛ لأنَّه لا عَرَضَ عندَهم إلَّا الحركةُ، وأنَّ كلامَ الخالِقِ جسمٌ، وأنَّ ذلك الجسمَ صوتٌ مُقطَّعٌ مُؤلَّفٌ مسموعٌ، وهو فِعلُ اللهِ وخَلقُه، وإنَّما يفعَلُ الإنسانُ القراءةَ، والقراءةُ الحركةُ، وهي غَيرُ القرآنِ.
القولُ الثَّالثُ: رأيُ أبي الهُذَيلِ، وجَعفَرِ بنِ حربٍ، ومَعمَرٍ، والإسكافيِّ، ومَن تبِعهم، وهو أنَّ الكلامَ عَرَضٌ مخلوقٌ [691] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/267، 268، 269)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 77). .
مِن هذا العَرْضِ لخلافِهم يتَّضِحُ أنَّ المُعتَزِلةَ قد اختلَفوا في الكلامِ: هل هو جسمٌ أم لا؟ إلَّا أنَّهم اتَّفَقوا على أنَّه مخلوقٌ.
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (الذي يدُلُّ على حدوثِ كلامِه الذي ثبَت أنَّه كلامٌ له: أنَّ الكلامَ -على ما قدَّمْناه- لا يكونُ إلَّا حُروفًا منظومةً، وأصواتًا مُقطَّعةً، وقد ثبَت فيما هذه حالُه أنَّه مُحدَثٌ؛ لجوازِ العَدمِ عليه، على ما بيَّنَّاه في حُدوثِ الأعراضِ) [692] ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (7/ 84). .
وقال عبدُ الجبَّارِ أيضًا وهو يتكلَّمُ عن مذاهِبِ النَّاسِ في القرآنِ: (أمَّا مذهَبُنا فهو أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ تعالى ووَحيُه، وهو مخلوقٌ مُحدَثٌ...) [693] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 528). .
وقال أيضًا: (قد أطلَق مشايِخُنا كُلُّهم في القرآنِ أنَّه مخلوقٌ) [694] ((المحيط بالتكليف)) (ص: 331). .
وقال المُقبِليُّ وهو يَعرِضُ اختِلافَ النَّاسِ في الكلامِ: (المُتكلِّمونَ نظَروا في كيفيَّتِه فاختلَفوا...، ورتَّبَت المُعتَزِلةُ على ذلك إطلاقَ المخلوقِ على القرآنِ) [695] ((العلم الشامخ)) (ص: 128). .

انظر أيضا: