موسوعة الفرق

الفصلُ الرَّابعُ: مِن أسبابِ التَّفرُّقِ: الجَدلُ والخُصوماتُ في الدِّينِ، والتَّأويلُ الفاسِدُ


الجَدلُ المنهيُّ عنه هو الكلامُ فيما لم يُؤذَنْ في الكلامِ فيه؛ كالكلامِ في المُتشابِهاتِ مِن الصِّفاتِ والأفعالِ وغَيرِهما، وكمُتشابِهاتِ القرآنِ؛ فعن عائِشةَ رضِي اللهُ عنها أنَّها قالت: ((تلا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإذا رأَيتَ الذين يتَّبِعونَ ما تشابَه منه فأولئك الذين سمَّى اللهُ؛ فاحذَروهم)) [191] رواه البخاري (4547) واللَّفظُ له، ومسلم (2665). .
ولقد جاء القرآنُ ذامًّا أهلَ البِدَعِ أصحابَ الفُرقةِ المُتَّبِعينَ للمُتشابِهِ الذين يُجادِلونَ فيه بغَيرِ عِلمٍ ولا هُدًى، بل يدفَعونَ الحقَّ بالباطِلِ، ويرُدُّونَ الحُجَجَ الصَّحيحةَ بالشُّبَهِ الفاسِدةِ بلا بُرهانٍ ولا حُجَّةٍ مِن اللهِ.
قال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر: 56] .
قال ابنُ كثيرٍ: (قولُه: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ، أي: يدفَعونَ الحقَّ بالباطِلِ، ويرُدُّونَ الحُجَجَ الصَّحيحةَ بالشُّبَهِ الفاسِدةِ بلا بُرهانٍ ولا حُجَّةٍ مِن اللهِ) [192] ((تفسير ابن كثير)) (7/ 151). .
وقال اللهُ سبحانَه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج: 3] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى ذامًّا لمَن كذَّب بالبعثِ، وأنكَر قُدرةَ اللهِ على إحياءِ الموتى، مُعرِضًا عمَّا أنزَل اللهُ على أنبيائِه، مُتَّبِعًا في قولِه وإنكارِه وكُفرِه كُلَّ شيطانٍ مَريدٍ مِن الإنسِ والجنِّ، وهذا حالُ أهلِ الضَّلالِ والبِدَعِ المُعرِضينَ عن الحقِّ، المُتَّبِعينَ للباطِلِ؛ يترُكونَ ما أنزَله اللهُ على رسولِه مِن الحقِّ المُبينِ، ويتَّبِعونَ أقوالَ رُؤوسِ الضَّلالةِ الدُّعاةِ إلى البِدَعِ بالأهواءِ والآراءِ) [193] ((تفسير ابن كثير)) (5/ 394). .

انظر أيضا: