موسوعة الفرق

تمهيد: الاستدلالُ بالأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ عند عامَّةِ الفرقِ المبتدِعةِ


بنى أصحابُ المناهِجِ الكلاميَّةِ -ومنهم المُعتَزِلةُ- مذهَبَهم في صفاتِ اللهِ تعالى على مُقدِّماتٍ وأقيسةٍ عقليَّةٍ جعلوها أُصولًا لدينِهم.
وعندَ تأمُّلِ هذه الأُصولِ نجِدُ أنَّها خاليةٌ عن البُرهانِ، مُعطَّلةٌ عن الدَّليلِ، قائِمةٌ على آراءِ وأهواءِ وفُهومِ أصحابِها المُستمدَّةِ مِن عُقولِهم القاصِرةِ دونَ اعتِمادٍ على كتابِ اللهِ، أو سنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أقوالِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وأئمَّةِ المُسلِمينَ، وقد ادَّعى هؤلاء أنَّ هذه الأُصولَ عارَضَت مدلولَ السَّمعِ؛ فأوجَبوا تقديمَها عليه، ومِن تلك الأُصولِ: ما أُطلِق عليه اسمُ (دليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ).
فإنَّ أصحابَ هذا الدَّليلِ أرادوا أن يُثبِتوا وُجودَ اللهِ تبارَك وتعالى، وخَلْقَه للمخلوقاتِ، وهو ما يُعرَفُ عندَهم بـ (إثباتِ الصَّانِعِ)، فادَّعَوا أنَّ ذلك لا يحصُلُ إلَّا بالنَّظرِ [504] يُنظر: ((المواقف)) للإيجِيِّ (39). .
والنَّظرُ المقصودُ: هو النَّظرُ العقليُّ في الأعراضِ ومُلازمتِها للأجسامِ دونَ اعتِمادٍ على الوَحيِ.
قال ابنُ تيميَّةَ عن هؤلاء وعن طريقتِهم في إثباتِ وُجودِ اللهِ تبارَك وتعالى: (جعلوا ذلك نظرًا مخصوصًا، وهو النَّظرُ في الأعراضِ، وأنَّها لازِمةٌ للأجسامِ، فيمتنِعُ وُجودُ الأجسامِ بدونِها) [505] ((مجموع الفتاوى)) (16/329). .
وقد أوجَبوا هذا النَّظرَ، أو القَصدَ إلى النَّظرِ، والاستِدلالَ العقليَّ به على كُلِّ أحدٍ؛ ليتمكَّنَ مِن إثباتِ الصَّانِعِ، بل جعَلوه أوَّلَ واجِبٍ على المُكلَّفِ [506] يُنظر: ((التوحيد)) للماتُريدي (ص: 135)، ((الغنية في أصول الدين)) للنيسابوري (ص: 55)، ((المغني في أصول العدل والتوحيد)) (4/41)، ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 60)، ((المختصر في أصول الدين)) (ص: 170)، كلُّها للقاضي عبد الجبار، ((الشامل في أصول الدين)) (ص: 97)، ((الإرشاد)) (ص: 3) كلاهما للجُوَيني، ((شرح المقاصد)) للتفتازاني (1/44)، ((المواقف في علم الكلام)) للإيجِيِّ (ص: 28)، ((إشارات المرام في علم الكلام)) للبياضي (ص: 84)، ((جوهرة التوحيد– ضمن مجموع مهمات المتون)) للقاني (ص: 11)، ((شرح الجوهرة)) للبيجوري (ص: 38)، ((شرح الجوهرة)) للصاوي (ص: 61). .
قال عبدُ الرَّحمنِ النَّيسابوريُّ: (أوَّلُ ما يجِبُ على المُكلَّفِ القَصدُ إلى النَّظرِ الصَّحيحِ المُؤدِّي إلى العِلمِ بحُدوثِ العالَمِ، وإثباتِ العِلمِ بالصَّانِعِ. والدَّليلُ عليه: إجماعُ العُقلاءِ على وُجوبِ معرفةِ اللهِ تعالى: وعلِمنا عقلًا أنَّه لا يُعلَمُ حُدوثُ العالَمِ ولا الصَّانِعِ إلَّا بالنَّظرِ والتَّأمُلِ، وما لا يُتوصَّلُ إلى الواجِبِ إلَّا به فهو واجِبٌ) [507] ((الغنية في أصول الدين)) (ص: 55). . ثُمَّ استدلَّ على حُدوثِ العالَمِ بدليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ [508] يُنظر: ((الغنية في أصول الدين)) للنيسابوري (ص: 56). .
ولمَّا كان الاستِدلالُ العقليُّ -الذي أوجَبوه- والنَّظرُ المخصوصُ -الذي ألزَموا به- مِن الأمورِ التي لا يتأتَّى لكُلِّ أحدٍ معرفتُها بديهةً، ألزَموا كُلَّ مُسلِمٍ بتعلُّمِ عِلمِ المنطِقِ؛ حتَّى يستطيعَ إقامةَ البراهينِ على وُجودِ اللهِ، فمَن لم يتسنَّ له تحصيلُ المنطِقِ يكونُ عاجِزًا عن إثباتِ وُجودِ ربِّه، وتصحيحِ عقيدتِه؛ لذلك قالوا: إنَّ عِلمَ المنطِقِ هو معيارُ العِلمِ، وقانونُ الإسلامِ [509] يُنظر: ((معيار العلم في فن المنطق)) للغزالي (ص: 26)، ((الصحائف الإلهية)) للسمرقندي (ص: 60). .
فلا بُدَّ عندَهم مِن سُلوكِ هذا الطَّريقِ في إثباتِ الصَّانِعِ ومعرفتِه جلَّ وعلا، وهو ما يُعرَفُ عندَهم بـ (دليلِ حُدوثِ العالَمِ بحُدوثِ الأجسامِ)، و (دليلِ الأعراضِ)، و (دليلِ حُدوثِ الأجسامِ)، و (دليلِ حُدوثِ الجواهِرِ والأعراضِ)، وكُلُّها أسماءٌ لدليلٍ واحِدٍ وطريقةٍ واحِدةٍ.
وقد ابتدَعَت الجَهميَّةُ والمُعتَزِلةُ هذا الدَّليلَ، ثُمَّ تبِعهم على ذلك: الكُلَّابيَّةُ، والأشعَريَّةُ، والماتُريديَّةُ، والمُشبِّهةُ؛ تأثُّرًا بهم [510] يُنظر: ((رسالة إلى أهل الثغر)) لأبي الحسن الأشعري (ص: 185، 189، 191)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (7/242)، ((الاستقامة)) (1/102)، ((الصفدية)) (2/41)، ((منهاج السنة النبوية)) (1/309)، ((الفتاوى المصرية)) (6/644)، ((شرح حديث النزول)) (ص: 160) كلها لابن تَيميَّة. .
وجعلوه كُلُّهم -باستثناءِ شيخَي الكُلَّابيَّةِ والأشعَريَّةَ؛ ابنِ كُلَّابٍ، وأبي الحَسنِ الأشعَريِّ-: أصلَ دينِ المُسلِمينَ، وقاعِدةَ المعرفةِ، وأساسَ الإيمانِ، وأُسَّ اليقينِ، فلا يحصُلُ إيمانٌ ولا دينٌ ولا عِلمٌ، ولا يُمكِنُ معرفةُ اللهِ، وتصديقُ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا بسُلوكِ هذه الطَّريقِ؛ طريقِ الاستِدلالِ بحُدوثِ العالَمِ على حُدوثِ الأجسامِ والأعراضِ، بل ويعتقِدونَ أنَّ مَن خالَفها فقد خالَف دينَ الإسلامِ، وصار مِن المُلحِدينَ [511] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/303، 7/143، 382، 8/93، 228)، ((منهاج السنة النبوية)) (1/315)، ((شرح حديث النزول)) (ص: 161)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 222 و237)، ((الفرقان بين الحق والباطل)) (ص: 47)، ((الفتاوى المصرية)) (6/556) كلها لابن تَيميَّة. .
فقد جعَله الماتُريديُّ الأصلَ الوحيدَ لمعرفةِ اللهِ، فلا يُعرَفُ اللهُ إلَّا مِن طريقِ دَلالةِ العالَمِ عليه، فقال: (الأصلُ: أنَّ اللهَ تعالى إذ لا سبيلَ إلى العِلمِ به إلَّا مِن طريقِ دَلالةِ العالَمِ عليه، بانقِطاعِ وُجوهِ الوُصولِ إلى معرفتِه مِن طريقِ الحواسِّ عليه، أو شهادةِ السَّمعِ...) [512] ((التوحيد)) (ص: 129، 231، 233). .
فلا تُمكِنُ مُعرفةُ اللهِ عن طريقِ الآياتِ القرآنيَّةِ أو الأحاديثِ النَّبويَّةِ، بل لا بُدَّ مِن سُلوكِ دليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ أوَّلًا -على حدِّ زَعمِه- ليوصِلَ سالِكَه إلى معرفةِ ربِّه.
وكذا الحالُ أيضًا عندَ المُعتَزِلةِ؛ فقد جعَله القاضي عبدُ الجبَّارِ أوَّلَ الأُصولِ التي يجِبُ على المُكلَّفِ معرفتُها ليستقيمَ توحيدُه، فقال: (مسألةٌ: فإن قال: فبيِّنوا لي جُمَلَ ما يلزَمُه في (التَّوحيدِ) أن يَعرِفَه، قيل له: يدورُ ذلك على أُصولٍ خمسةٍ: أوَّلُها: إثباتُ حُدوثِ العالَمِ) [513] ((المختصر في أصول الدين)) (ص: 172). .
كيفيَّةُ الاستِدلالِ بدليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ:
زعَم أصحابُ هذا الدَّليلِ كُلُّهم هذا التَّسلسُلَ التَّاليَ:
أوَّلًا: أنَّ إثباتَ الصَّانِعِ لا يُعرَفُ إلَّا بالنَّظرِ المُفضي إلى العِلمِ بإثباتِه.
ثانيًا: بَعدَ النَّظرِ تبيَّن لهم أنَّ العِلمَ بإثباتِ الصَّانِعِ لا يُمكِنُ إلَّا بإثباتِ حُدوثِ العالَمِ؛ إذ الحُدوثُ هو العِلَّةُ المُحوِجةُ إلى المُؤثِّرِ، وإذا ثبَت أنَّ العالَمَ حادِثٌ، فلا بُدَّ له مِن مُحدِثٍ يُخرِجُه مِن حيِّزِ العَدمِ إلى حيِّزِ الوُجودِ.
ثالثًا: قالوا: إنَّ إثباتَ حُدوثِ العالَمِ لا يُمكِنُ إلَّا بإثباتِ حُدوثِ الأجسامِ.
رابعًا: حُدوثُ الأجسامِ يُعلَمُ بلُزومِها للأعراضِ التي هي الصِّفاتُ، أو لبعضِها؛ كالحركةِ والسُّكونِ، والاجتِماعِ والافتِراقِ، وهي التي تُعرَفُ بالأكوانِ.
وتقريرُ هذا عندَهم يحتاجُ إلى أربعِ مُقدِّماتٍ:
1- إثباتُ الأعراضِ التي هي الصِّفاتُ، أو إثباتُ بعضِها؛ كالأكوانِ التي هي: الحركةُ والسُّكونُ، والاجتِماعُ والافتِراقُ.
2- إثباتُ حُدوثِ الأعراضِ، وذلك بإبطالِ ظُهورِها بَعدَ الكُمونِ، وإبطالِ انتقالِها مِن محَلٍّ إلى محَلٍّ.
3- إثباتُ امتِناعِ خُلوِّ الجسمِ؛ إمَّا عن كُلِّ جنسٍ مِن أجناسِ الأعراضِ؛ بإثباتِ أنَّ الجسمَ قابِلٌ لها، وأنَّ القابِلَ للشَّيءِ لا يخلو عنه أو عن ضدِّه، وإمَّا عن الأكوانِ؛ بمعنى أنَّها لا تنفكُّ عن الأعراضِ أو بعضِها.
4- إثباتُ امتِناعِ حوادِثَ لا أوَّلَ لها.
وإثباتُ حُدوثِ الأجسامِ بامتِناعِ حوادِثَ لا أوَّلَ لها مبنيٌّ على مُقدِّمتَينِ أساسيَّتَينِ:
المُقدِّمةُ الأولى: امتِناعُ خُلوِّ الجسمِ مِن الأعراضِ التي هي الصِّفاتُ؛ حيث زعَموا أنَّ الأجسامَ لا تخلو عن أعراضٍ حادِثةٍ، وصفاتٍ وأفعالٍ تعتقِبُ عليها.
المُقدِّمةُ الثَّانيةُ: ما لا يخلو عن الصِّفاتِ التي هي الأعراضُ -أو ما لا ينفكُّ عن الصِّفاتِ، أو ما لا يسبِقُها- فهو حادِثٌ؛ لأنَّ الصِّفاتِ -التي هي الأعراضُ- لا تكونُ إلَّا مُحدَثةً بزَعمِهم.
وقد زعَموا أنَّ الأجسامَ لا تخلو عن كُلِّ جنسٍ مِن أجناسِ الحوادِثِ؛ إذ القابِلُ للشَّيءِ لا يخلو عنه أو عن ضدِّه، وما لا يخلو عن الحوادِثِ فهو حادِثٌ؛ لامتِناعِ حوادِثَ لا أوَّلَ لها [514] يُنظر: ((الفرقان بين الحق والباطل)) (ص: 99)، ((الفتاوى المصرية)) (1/134، 6/519)، ((مجموع الفتاوى)) (3/302، 12/149)، ((منهاج السنة النبوية)) (1/303)، ((النبوات)) (ص: 127)، ((شرح حديث النزول)) (ص: 161)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 237)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/38)، (7/71، 242)، (8/17)، (9/132)، (10/260)، كلها لابن تَيميَّة. .
إذًا لقد استدلَّ هؤلاء على إثباتِ الصَّانِعِ بحُدوثِ الأجسامِ التي يلزَمُ مِن حُدوثِها حُدوثُ العالَمِ؛ لأنَّه أجسامٌ وأعراضٌ، فيلزَمُ مِن حُدوثِ العالَمِ إثباتُ الصَّانِعِ؛ لأنَّ المُحدَثَ لا بُدَّ له مِن مُحدِثٍ [515] يُنظر: ((الفرقان بين الحق والباطل)) (ص: 96، 98، 102)، ((الصفدية)) (1/274)، ((منهاج السنة النبوية)) (1/309)، ((الرسالة التدمرية)) (ص: 148) كلُّها لابن تَيميَّة. .
وقد بنَوا ذلك على مُقدِّمتَينِ أساسيَّتَينِ كما تقدَّم.
وقد اتَّفَق المُبتدِعةُ كُلُّهم -في بابِ الصِّفاتِ- على دليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ مِن حيثُ الجُملةُ، ولكن اختلَفوا في هاتَينِ المُقدِّمتَينِ.
وقد تنوَّعت طُرقُهم في الأُولى منهما؛ إذ اختلَفوا فيما بَينَهم على الأصلِ الذي يُستدَلُّ به على حُدوثِ الأجسامِ: هل يُستدلُّ على ذلك بمُلازمتِها للأعراضِ جميعِها، أو لبعضِها؛ كالأكوانِ الأربعةِ: الحركةِ والسُّكونِ، والاجتِماعِ والافتِراقِ، أو لبعضِ الأكوانِ: كالحركةِ مَثلًا؟
وقد تبنَّت كُلُّ فِرقةٍ مِن فِرَقِ المُبتدِعةِ أصلًا مِن هذه الأُصولِ، رأت أنَّه دليلٌ واضِحٌ -في نَظرِها- على حُدوثِ الأجسامِ، ثُمَّ بنَت على هذا الأصلِ تعطيلَ الباري جلَّ وعلا عن صفاتِه أو بعضِها، أو تشبيهَ صفاتِه -جلَّ وعلا- بصفاتِ خَلقِه.
وقد تنوَّعَت عباراتُهم في المُقدِّمةِ الثَّانيةِ:
- فتارةً يقولونَ: كُلُّ ما لا يخلو مِن الحوادِثِ فهو حادِثٌ [516] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/313، 330)، ((جامع الرسائل)) (2/31)، ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: 70)، ((شرح حديث النزول)) (ص: 73)، ((الصفدية)) (2/163)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (8/173)، ((النبوات)) (ص: 60)، ((الفتاوى المصرية)) (6/552)، ((قاعدة نافعة في صفة الكلام)) (ص: 33)، ((مجموعة الرسائل المنيرية)) (2/69) كلُّها لابن تَيميَّة. .
- وتارةً يقولونَ: كُلُّ ما لم يسبِقِ الحوادِثَ فهو حادِثٌ [517] يُنظر: ((النبوات)) (ص: 60)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/121، 8/18، 334، 342، 344، 9/72)، ((مجموع الفتاوى)) (12/44)، ((قاعدة نافعة في صفة الكلام)) (ص: 34)، ((مجموعة الرسائل المنيرية)) (2/70، 74) كلها لابن تَيميَّة. .
- وتارةً يقولونَ: ما قامت به الحوادِثُ فهو حادِثٌ [518] يُنظر: ((الفتاوى المصرية)) لابن تَيميَّة (6/645). .
- وتارةً: ما حلَّت به الحوادِثُ فهو حادِثٌ [519] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تَيميَّة (1/ 154). .
- وتارةً: ما لا ينفكُّ عن الحوادِثِ فهو حادِثٌ [520] يُنظر: ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 40)، ((منهاج السنة النبوية)) (3/ 361)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (9/172)، كلاهما لابن تَيميَّة. ، إلى غَيرِ ذلك مِن العِباراتِ المُتنوِّعةِ الألفاظِ، المُتقارِبةِ المعنى.
وقد نفى المُعطِّلةُ أن يكونَ اللهُ تعالى جسمًا تقومُ به الأعراضُ والحوادِثُ، ومِن ثمَّ نفَوا أن يكونَ محَلًّا للحوادِثِ؛ لأنَّ مَن كان محَلًّا للحوادِثِ فلا بُدَّ أن يكونَ حادِثًا؛ إذ الحوادِثُ -على حدِّ قولِهم- لا تحُلُّ إلَّا بحادِثٍ مِثلِها؛ لوُجوبِ أن يكونَ لها أوَّلٌ -في نَظرِهم- وهو المُرادُ مِن أصلِهم: (امتِناعُ حوادِثَ لا أوَّلَ لها).
فسمَّت الجَهميَّةُ والمُعتَزِلةُ الصِّفاتِ أعراضًا، وقالوا: لو قُلْنا: إنَّ الصِّفاتِ تقومُ به للزِم أن يكونَ جسمًا، والأجسامُ حادِثةٌ؛ لأنَّها لم تسبِقِ الحوادِثَ، ولا تخلو عنها، وما لا يسبِقُ الحوادِثَ ولا يخلو عنها؛ فهو حادِثٌ.
وأطلقَت الكُلَّابيَّةُ والأشعَريَّةُ والماتُريديَّةُ على أفعالِ اللهِ تعالى اسمَ: حوادِثَ، وقالوا: لو قُلْنا: إنَّ اللهَ تقومُ به الصِّفاتُ والكلامُ للزِم قيامُ الحوادِثِ به؛ لأنَّ هذه الصِّفاتِ حادِثةٌ حدثَت بَعدَ أن لم تكنْ، وما لا يخلو مِن الحوادِثِ فهو حادِثٌ.
فعطَّلَت هذه الفِرَقُ المُبتدِعةُ اللهَ جلَّ وعلا عن كُلِّ صفاتِه أو بعضِها مُستنِدةً إلى دليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ.
ولكُلِّ فِرقةٍ مِن هذه الفِرَقِ توجيهٌ خاصٌّ بها لهذا الدَّليلِ يُوضِّحُ مذهَبَهم في الصِّفاتِ، معَ اتِّفاقِهم على فحواه مِن حيثُ الجُملةُ.
وقد أطلَق ابنُ تيميَّةَ على (دليلِ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ) الذي هو أشهَرُ دليلٍ عندَ المُبتدِعةِ أنَّه: أصلُ أُصولِ المُبتدِعةِ في نَفيِ الصِّفاتِ [521] يُنظر: ((الفتاوى المصرية)) (6/645). .

انظر أيضا: