موسوعة الفرق

الفَرعُ الثَّاني: نقدُ احتِجاجِ المُعتَزِلةِ بشُبهةِ التَّعدُّدِ والتَّركيبِ


إنَّ استِدلالَ المُعتَزِلةِ على مذهَبِهم في الصِّفاتِ بشُبهةِ التَّعدُّدِ والتَّركيبِ هو في الحقيقةِ استِدلالٌ ضعيفٌ ومُتهافِتٌ جدًّا كما سيتبيَّنُ إن شاء اللهُ مِن خلالِ مُناقَشتِهم في هذه الشُّبهةِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (إن قال نُفاةُ الصِّفاتِ: إثباتُ العِلمِ والقُدرةِ والإرادةِ مُستلزِمٌ تعدُّدَ الصِّفاتِ، وهذا تركيبٌ مُمتنِعٌ، قيل: وإذا قُلْتُم: هو موجودٌ واجِبٌ... فهذه معانٍ مُتعدِّدةٌ مُتغايِرةٌ في العقلِ، وهذا تركيبٌ عندَكم، وأنتم تُثبِتونَه وتُسمُّونَه توحيدًا.
فإن قالوا: هذا توحيدٌ في الحقيقةِ، وليس هذا تركيبًا مُمتنِعًا.
قيل لهم: واتِّصافُ الذَّاتِ بالصِّفاتِ اللَّازِمةِ لها توحيدٌ في الحقيقةِ، وليس هو تركيبًا مُمتنِعًا.
وذلك أنَّه مِن المعلومِ في صريحِ العُقولِ أنَّه ليس معنى كونِ الشَّيءِ عالِمًا هو معنى كونِه قادِرًا، ولا نَفسُ ذاتِه هو نَفسُ كونِه عالِمًا قادِرًا، فمَن جوَّز أن تكونَ هذه الصِّفةُ هي الموصوفَ فهو مِن أعظَمِ النَّاسِ سَفسَطةً) [493] ((التدمرية)) (ص: 40)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/57)، ((منهاج السنة النبوية)) (1/267)، ((الصفدية)) (1/127)، ((مجموع الفتاوى)) (6/345)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/283، 8/268) كلها لابن تَيميَّة. .
وفسادُ مِثلِ هذا القولِ معلومٌ بالضَّرورةِ [494] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (6/268)، ((مجموع الفتاوى)) (12/166) كلاهما لابن تَيميَّة. ؛ فإنَّ العقلَ الصَّريحَ يعلَمُ أنَّ كُلَّ صفةٍ ليست هي الأخرى، ولا هي نَفسَ الموصوفِ [495] يُنظر: ((الصفدية)) (1/127)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/507)، ((شرح حديث النزول)) (ص: 92) كلها لابن تَيميَّة. .
ويلزَمُ مِن قولِ المُعتَزِلةِ: إنَّ الصِّفةَ هي عَينُ الصِّفةِ الأخرى، أو هي عَينُ الذَّاتِ: التَّناقُضُ؛ فإنَّ واجِبَ الوُجودِ لا بُدَّ أن يتميَّزَ من غَيرِه، والتَّميُّزُ لا يكونُ إلَّا بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ، مِثلُ كونِه حيًّا، عليمًا، قديرًا...، ونَحوَ ذلك، ويمتنِعُ أن يكونَ كُلُّ معنًى هو الآخَرَ، أو أن تكونَ تلك المعاني هي الذَّاتَ.
وإذا نفَينا هذه المعانيَ نكونُ بذلك نفَينا واجِبَ الوُجودِ.
وهذا هو وَجهُ التَّناقُضِ في قولِهم؛ فإنَّ المُعتَزِلةَ ومَن تبِعهم إنَّما ينفون هذه المعانيَ لإثباتِ واجِبِ الوُجودِ، معَ أنَّ نفيها عنه نفيٌ لواجِبِ الوُجودِ، وهذا هو التَّناقُضُ الصَّريحُ [496] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (2/268). .
كما أنَّ الواجِبَ بنَفسِه إذا كان لا يتميَّزُ مِن غَيرِه بصفةٍ ثُبوتيَّةٍ فهذا يستلزِمُ لا محالةَ ألَّا يوجَدَ واجِبٌ بنَفسِه.
قال ابنُ تيميَّةَ: (إن كان الواجِبُ بنَفسِه لا يتميَّزُ مِن غَيرِه بصفةٍ ثُبوتيَّةٍ فلا واجِبَ، وإذا لم يكنْ واجِبًا لم يلزَمْ مِن التَّركيبِ مُحالٌ؛ وذلك أنَّهم إنَّما نفَوا المعانيَ؛ لاستِلزامِها ثُبوتَ التَّركيبِ المُستلزِمَ لنَفيِ الوُجوبِ، وهذا تناقُضٌ؛ فإنَّ نَفيَ المعاني مُستلزِمٌ لنَفيِ الوُجوبِ، فكيف ينفونَها لثُبوتِه؟ وذلك أنَّ الواجِبَ بنَفسِه حقٌّ موجودٌ عالِمٌ قادِرٌ فاعِلٌ، والمُمكِنُ قد يكونُ موجودًا عالِمًا قادِرًا فاعِلًا، وليست المُشارَكةُ في مُجرَّدِ اللَّفظِ، بل في معانٍ معقولةٍ معلومةٍ بالاضطِرارِ) [497] ((مجموع الفتاوى)) (6/345). .
وقولُ المُعتَزِلةِ بأنَّ الصِّفةَ هي الموصوفُ يلزَمُ منه القولُ بوَحدةِ الوُجودِ؛ فإنَّ (مَن يجعلُ وُجودَ العِلمِ هو وُجودَ القُدرةِ، ووُجودَ القُدرةِ هو وُجودَ الإرادةِ؛ فقولُ هذه المقالةِ يستلزِمُ أن يكونَ وُجودُ كُلِّ شيءٍ هو عَينَ وُجودِ الخالِقِ تعالى، وهذا مُنتهى الإلحادِ، وهو ممَّا يُعلَمُ بالحِسِّ والعقلِ والشَّرعِ أنَّه في غايةِ الفسادِ، ولا مَخلَصَ مِن هذا إلَّا بإثباتِ الصِّفاتِ معَ نَفيِ مُماثَلةِ المخلوقاتِ، وهو دينُ الذين آمَنوا وعمِلوا الصَّالِحاتِ) [498] ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تَيميَّة (1/283). .
ومِن رُدودِ أئمَّةِ السَّلفِ المُتقدِّمينَ على شُبهةِ التَّعدُّدِ والتَّركيبِ التي يدَّعيها المُعتَزِلةُ: ما ذكَره أحمَدُ بنُ حَنبلٍ؛ إذ قال: (قال الجَهميُّ لنا لمَّا وصَفْنا اللهَ بهذه الصِّفاتِ: إن زعَمْتُم أنَّ اللهَ لم يَزَلْ ونورَه، واللهَ وقُدرتَه، واللهَ وعَظمتَه؛ فقد قُلْتُم بقولِ النَّصارى حينَ زعَمْتُم أنَّ اللهَ ونورَه، واللهَ وقُدرتَه.
قُلْنا: لا نقولُ: إنَّ اللهَ لم يزَلْ وقُدرتَه، ولم يزَلْ ونورَه، ولكن نقولُ: لم يزَلْ بقُدرتِه ونورِه، لا متى قدَر ولا كيف قدَر.
فقالوا: لا تكونوا مُوحِّدينَ أبدًا حتَّى تقولوا: قد كان اللهُ ولا شيءَ.
فقُلْنا: نحن نقولُ قد كان اللهُ ولا شيءَ، ولكن إذا قُلْنا: إنَّ اللهَ لم يزَلْ بصفاتِه كُلِّها، أليس إنَّما نصِفُ إلهًا واحِدًا بجميعِ صفاتِه؟ وضرَبْنا لهم في ذلك مَثلًا، فقُلْنا: أخبِرونا عن هذه النَّخلةِ، أليس لها جِذعٌ وكَرَبٌ وليفٌ وسَعَفٌ وخُوصٌ وجِمارٌ، واسمُها اسمُ شيءٍ واحِدٍ، وسُمِّيَت نَخلةً بجميعِ صفاتِها؟ فكذلك اللهُ -وله المَثلُ الأعلى- بجميعِ صفاتِه إلهٌ واحِدٌ، لا نقولُ: إنَّه قد كان في وقتٍ مِن الأوقاتِ ولا قُدرةَ حتَّى خلَق له قُدرةً، والذي ليس له قُدرةٌ هو عاجِزٌ، ولا نقولُ: قد كان في وقتٍ مِن الأوقاتِ ولا يعلَمُ حتَّى خلَق له عِلمًا فعَلِم، والذي لا يعلَمُ هو جاهِلٌ، ولكن نقولُ: لم يزَلِ اللهُ عالِمًا قادِرًا مالِكًا، لا متى ولا كيف، وقد سمَّى اللهُ رجُلًا كافِرًا اسمُه الوليدُ بنُ المُغيرةِ المخزوميُّ، فقال: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا [المدثر: 11] ، وقد كان هذا الذي سمَّاه اللهُ وحيدًا، له عينانِ وأذُنانِ ولِسانٌ وشَفتانِ ويدانِ ورِجلانِ وجوارحُ كثيرةٌ، فقد سمَّاه اللهُ وحيدًا بجميعِ صفاتِه، فكذلك اللهُ -وله المَثلُ الأعلى- هو بجميعِ صفاتِه إلهٌ واحِدٌ) [499] ((الرد على الجهمية)) (ص: 49). .
وقد سُئِل ابنُ تيميَّةَ عن شُبهةِ المُعتَزِلةِ في أنَّ صفاتِ الباري تعالى ليست زائِدةً على ذاتِه؛ لأنَّه لا يخلو إمَّا أن يقومَ وُجودُه بتلك الصِّفةِ المُعيَّنةِ بحيثُ يلزَمُ مِن تقديرِ عَدمِها عَدمُه، أو لا.
فإن كان لا يقومُ وُجودُه إلَّا بها فقد تعلَّق بها، وصار مُركَّبًا مِن أجزاءٍ لا يصِحُّ وُجودُه إلَّا بمجموعِها، والمُركَّبُ معلولٌ [500] لعلَّه يريدُ بالمعلولِ: أنَّ المركَّبَ مفتقِرٌ إلى أجزائِه، والمفتَقِرُ إلى أجزائِه ممكِنٌ وليس بواجبٍ. . وإن كان لا يقومُ وُجودُه بها، ولا يلزَمُ مِن تقديرِ عَدمِها عَدمُه، فهي عرَضيَّةٌ، والعَرَضُ معلولٌ [501] لعلَّه يريدُ بقولِه: العَرَضُ معلولٌ: أنَّ ما قام به العَرَضُ فهو محَلُّ للحوادثِ، وما كان محَلًّا للحوادِثِ فهو حادِثٌ. يُنظر: ((تلبيس الجهمية)) لابن تَيميَّة (1/605). ، وهُما على اللهِ مُحالٌ؛ فلم يبقَ إلَّا أنَّ صفاتِ الباري غَيرُ زائِدةٍ على ذاتِه، وهو المطلوبُ [502] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّة (6/339). ويُنظر: ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (ص: 201). .
فأجاب ابنُ تيميَّةَ: (الذي دلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ أنَّ اللهَ سُبحانَه له عِلمٌ وقُدرةٌ ورحمةٌ ومشيئةٌ وعِزَّةٌ وغَيرُ ذلك...، وأمَّا الشُّبهةُ الثَّانيةُ وهي شُبهةُ التَّركيبِ، وهي فلسفيَّةٌ مُعتزليَّةٌ، والأُولى مُعتزليَّةٌ محضةٌ، فإنَّ المُعتَزِلةَ يجعلونَ أخَصَّ وصفِه القديمَ، ويُثبِتونَ حُدوثَ ما سِواه، والفلاسِفةُ يجعلونَ أخَصَّ وصفِه وُجوبَ وُجودِه بنَفسِه، وإمكانَ ما سِواه؛ فإنَّهم لا يُقِرُّونَ بالحُدوثِ عن عَدمٍ، ويجعلونَ "التَّركيبَ" الذي ذكروه موجِبًا للافتِقارِ المانِعِ مِن كونِه واجِبًا بنَفسِه.
فالجوابُ عنها أيضًا مِن وَجهَينِ: أحدُهما مُشتمِلٌ على فنَّينِ: المُعارَضةِ والمُناقَضةِ، والثَّاني الحلُّ. أمَّا الأوَّلُ فإنَّهم يُثبِتونَ عالِمًا وقادِرًا، ويُثبِتونَه واجِبًا بنَفسِه فاعِلًا لغَيرِه، ومعلومٌ بالضَّرورةِ أنَّ مفهومَ كونِه عالِمًا غَيرُ مفهومِ الفِعلِ لغَيرِه، فإذا كانت ذاتُه مُركَّبةً مِن هذه المعاني لزِم التَّركيبُ الذي ادَّعوه، وإن كانت عَرَضيَّةً لزِم الافتِقارُ الذي ادَّعوه...، وأمَّا المُناقَضةُ فإن كان الواجِبُ بنَفسِه لا يتميَّزُ مِن غَيرِه بصفةٍ ثُبوتيَّةٍ فلا واجِبَ، وإذا لم يكنْ واجِبًا لم يلزَمْ مِن التَّركيبِ مُحالٌ؛ وذلك أنَّهم إنَّما نفَوا المعانيَ لاستِلزامِها ثُبوتَ التَّركيبِ المُستلزِمَ لنَفيِ الوُجوبِ، وهذا تناقُضٌ...، وأمَّا ما يذكُرُه المنطقيُّونَ مِن تركيبِ الأنواعِ مِن الجنسِ والفَصلِ؛ كتركيبِ الإنسانِ مِن حيوانٍ وناطِقٍ، وهو المُركَّبُ ممَّا به الاشتِراكُ بَينَه وبَينَ سائِرِ الأنواعِ، وممَّا به امتيازُه مِن غَيرِه مِن الأنواعِ، وتقسيمِهم الصِّفاتِ إلى ذاتيٍّ تترَّكبُ منه الحقائِقُ، وهو الجنسُ والفصلُ، وإلى عَرَضيٍّ، وهو العَرَضُ العامُّ والخاصُّ، ثُمَّ الحقيقةُ المُؤلَّفةُ مِن المُشترَكِ والمُميَّزِ هي النَّوعُ؛ فنقولُ: هذا التَّركيبُ أمرٌ اعتِباريٌّ ذِهنيٌّ ليس له وُجودٌ في الخارِجِ، كما أنَّ ذاتَ النَّوعِ مِن حيثُ هي عامَّةٌ ليس لها ثُبوتٌ في الخارِجِ، بل نَفسُ الحقائِقِ الخارِجةِ ليس فيها عُمومٌ خارِجيٌّ ولا تركيبٌ خارِجيٌّ، كما قلنا في مسألةِ المعدومِ: إنَّه شيءٌ في الذِّهنِ لا في الخارِجِ؛ لتعلُّقِ العِلمِ والإرادةِ به؛ فإنَّ الإنسانَ الموجودَ في الخارِجِ ليس فيه ذواتٌ مُتميِّزةٌ بعضُها حيوانيَّةٌ، وبعضُها ناطقيَّةٌ، وبعضُها ضاحِكيَّةٌ، وبعضُها حساسيَّةٌ، بل العقلُ يُدرِكُ منه معنًى، ونظيرُ ذلك المعنى ثابِتٌ لنوعٍ آخَرَ، فيقولُ: فيه معنًى مُشترَكٌ، ويُدرِكُ فيه معنًى مُختصًّا، ثُمَّ يجمَعُ بَينَ المعنيَينِ، فيقولُ: هو مُؤلَّفٌ منهما، ثُمَّ إذا أدرَك فيه المعنيَينِ لم يُدرِكْ أنَّ أحدَهما فيه مُتميِّزٌ مِن الآخَرِ مُنفصِلٌ، كما أنَّه إذا أدرَك الوُجودَ والوُجوبَ والقيامَ بالنَّفسِ والإقامةَ للغَيرِ، لم يُدرِكْ أحدَ هذه المعاني مُنفصِلًا عن الآخَرِ مُتميِّزًا عنه، بل أبلَغُ مِن ذلك أنَّ الطَّعمَ واللَّونَ والرِّيحَ القائِمةَ بالجسمِ لا يتميَّزُ بعضُها مِن بعضٍ بمحالِّها، وإنَّما الحسُّ يُميِّزُ بَينَ هذه الحقائِقِ، فهذا النَّوعُ مِن التَّركيبِ ليس مِن جنسِ تركيبِ الجسدِ مِن أبعاضِه وأخلاطِه؛ فليست الأبعاضُ كالأعراضِ، ونحن لا نُنازِعُ في تسميةِ هذا مُركَّبًا؛ فإنَّ هذا نِزاعٌ لفظيٌّ، ولكنَّ الغَرضَ أنَّ هذا التَّركيبَ ليس مِن جنسِ التَّركيبِ الذي يعقِلُه بنو آدَمَ بالفِطرةِ الأولى، حتَّى يُطلَقَ عليه لفظُ الأجزاءِ.
إذا عُرِف هذا كان الجوابُ مِن فنَّينِ في الحلِّ كما كان مِن فنَّينِ في الإبطالِ؛ أحدُهما: أنَّا لا نُسلِّمُ أنَّ هناك تركُّبًا مِن أجزاءٍ بحالٍ، وإنَّما هي ذاتٌ قائِمةٌ بنَفسِها مُستلزِمةٌ للوازِمِها التي لا يصِحُّ وُجودُها إلَّا بها، وليست صفةُ الموصوفِ أجزاءً له ولا أبعاضًا يتميَّزُ بعضُها عن بعضٍ أو تتميَّزُ عنه حتَّى يصِحَّ أن يُقالَ: هي مُركَّبةٌ منه، أو ليست مُركَّبةً؛ فثُبوتُ الترَّكيبِ ونَفيُه فَرعُ تصوُّرِه، وتصوُّرُه هنا مُنتفٍ.
والجوابُ الثَّاني: أنَّه لو فُرِض أنَّ هذا يُسمَّى مُركَّبًا فليس هذا مُستلزِمًا للإمكانِ ولا للحُدوثِ؛ وذلك أنَّ الذي عُلِم بالعقلِ والسَّمعِ أنَّه يمتنِعُ أن يكونَ الرَّبُّ تعالى فقيرًا إلى خلقِه، بل هو الغنيُّ عن العالَمينَ، وقد عُلِم أنَّه حيٌّ قيُّومٌ بنَفسِه، وأنَّ نَفسَه المُقدَّسةَ قائِمةٌ بنَفسِه وموجودةٌ بذاتِه، وأنَّه أحدٌ صَمدٌ غنيٌّ بنَفسِه، ليس ثُبوتُه وغِناه مُستفادًا مِن غَيرِه، وإنَّما هو بنَفسِه لم يزَلْ ولا يزالُ حقًّا صمدًا قيُّومًا، فهل يُقالُ في ذلك: إنَّه مُفتقِرٌ إلى نَفسِه، أو مُحتاجٌ إلى نَفسِه؟ لأنَّ نَفسَه لا تقومُ إلَّا بنَفسِه؟ فالقولُ في صفاتِه التي هي داخِلةٌ في مُسمَّى نَفسِه هو القولُ في نَفسِه) [503] ((مجموع الفتاوى)) (6/339- 348). .          

انظر أيضا: