موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّالثُ: مِن أبرَزِ ملامِحِ الاعتِزالِ: التَّطاوُلُ على بعضِ الصَّحابةِ الكِرامِ رِضوانُ اللهِ عليهم


إنَّ صحابةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد حفِظوا دينَه، ونشَروا سُنَّةَ نبيِّه، ولكن أبى بعضُ المُعتَزِلةِ إلَّا التَّطاوُلَ عليهم؛ إذ رأَوا أنَّ أحاديثَهم وطريقتَهم لا تتواءَمُ معَ ما يَدْعونَ إليه مِن أُصولِ الاعتِزالِ، بل تُناقِضُ ما يُريدونَه مِن العقائِدِ الاعتِزاليَّةِ؛ فهذا عَمرُو بنُ عُبَيدٍ أحدُ كُبَرائِهم رُوِي عنه قولُه: (واللهِ لو أنَّ عليًّا وعُثمانَ وطَلحةَ والزُّبَيرَ شهِدوا عندي على شِراكِ نَعلٍ ما أجزْتُه!) [432] يُنظر ((تاريخ بغداد)) للبغدادي (14/ 77). ، ورُوِي أنَّه قال عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رضِي اللهُ عنه: (ما تصنَعُ بسَمُرةَ؟ قبَّح اللهُ سَمُرةَ!) [433] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للبغدادي (14/63). .
ورمى إبراهيمُ النَّظَّامُ أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه بالتَّناقُضِ، وطعَن بِمثلِ ذلك في عليِّ بنِ أبي طالِبٍ وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنهم أجمعينَ، وشدَّدوا الحَملةَ على الصَّحابيِّ الجليلِ أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه [434] يُنظر: ((تأويل مختلف الحديث)) لابن قُتَيبة (ص: 72). .
وقد ولَغ بعضُ المُعتَزِلةِ في أعراضِ الصَّحابةِ خلالَ فِتنةِ الجَملِ وصفِّينَ؛ إذ زعَم كُلٌّ مِن واصِلِ بنِ عطاءٍ وعَمرِو بنِ عُبَيدٍ: (أنَّ إحدى الطَّائِفتَينِ يومَ الجَملِ فاسِقةٌ، ولا تُقبَلُ شهادتُهم) [435] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 100). .
هذا رَغمَ اتِّفاقِ العُلماءِ على عدالةِ جميعِ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم، أمَّا ما شجَر بَينَهم فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ لا يخوضونَ فيه، بل يعتقِدونَ أنَّ كُلَّهم مُجتهِدٌ مأجورٌ يبتغي ثوابَ الآخِرةِ.
فالمُعتَزِلةُ ما بَينَ شاكٍّ في عدالةِ الصَّحابةِ منذُ عهدِ الفِتنةِ كواصِلِ بنِ عطاءٍ، وما بَينَ موقِنٍ بفِسقِهم كعَمرِو بنِ عُبَيدٍ، وما بَينَ طاعِنٍ في أعلامِهم، مُتَّهِمٍ لهم بالكذِبِ والجَهلِ والنِّفاقِ كالنَّظَّامِ، وذلك يوجِبُ ردَّهم للأحاديثِ التي جاءت عن طريقِ هؤلاء الصَّحابةِ [436] يُنظر: ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)) للسباعي (ص: 140- 142). .
وقد أدَّى ذلك إلى أنْ فتَح رُؤساءُ المُعتَزِلةِ ثَغَراتٍ في مكانةِ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم، استطاع أن يلِج منها المُتعصِّبونَ مِن المُستشرِقينَ حِمى أولئك الكرامِ للتَّشكيكِ في دينِ اللهِ تعالى، فتجرَّؤوا على رميِهم بالكذِبِ والتَّلاعُبِ في دينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، مُستنِدينَ إلى ما افتراه النَّظَّامُ وأمثالُه عليهم، وقد تبِع المُستشرِقينَ في هذا بعضُ الكُتَّابِ المُسلِمينَ. واللهُ المُستعانُ [437] يُنظر: ((منهج المدرسة العقلية في التفسير)) للرومي (ص: 44 – 65). .

انظر أيضا: