موسوعة الفرق

المَبحَثُ الحادي والعِشرونَ: مِن الفِرَقِ الاعتِزاليَّةِ: فِرقةُ البَهشَميَّةِ


وهُم أتباعُ أبي هاشِمٍ؛ عبدِ السَّلامِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ الجُبَّائيِّ، رئيسِ مُعتَزِلةِ البَصرةِ بَعدَ أبيه، وقد خالَف أباه في جملةٍ مِن المسائِلِ، وتُوفِّي في بغدادَ سنةَ (321هـ) [364] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 169)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 153). .
وقدَّم ابنُ المُرتضى ذِكرَه على جميعِ رجالِ الطَّبقةِ التَّاسعةِ مِن المُعتَزِلةِ، وقال: (إنَّما قدَّمْناه وإن تأخَّر في السِّنِّ عن كثيرٍ ممَّن يُذكَرُ في هذه الطَّبقةِ؛ لتقدُّمِه في العِلمِ، وذكَر أبو الحَسنِ أنَّه لم يبلُغْ غَيرُه مَبلَغَه في عِلمِ الكلامِ) [365] ((طبقات المُعتزِلة)) (ص: 94). .
مِن أقوالِه التي اشتَهر بها ما يلي:
الأوَّلُ: قولُه في التَّوبةِ: فذكَر عدَّةَ حالاتٍ لا تصِحُّ فيها التَّوبةُ؛ منها: التَّوبةُ عن الذَّنبِ عندَ العَجزِ عن مِثلِه؛ فإنَّها لا تصِحُّ، فمَثلًا: لا تُقبَلُ توبةُ الكاذِبِ بَعدَ خَرَسِ لِسانِه عن الكذِبِ. ومنها التَّوبةُ عن الذَّنبِ معَ الإصرارِ على قبيحٍ آخَرَ يعلَمُه الإنسانُ أو يعتقِدُه قبيحًا، وإن كان في الحديثِ ذاتِه حَسنًا، ويُعلِّلُ قولَه هذا بقولِه: إنَّما وجَب عليه تَركُ القبيحِ لقُبحِه، فإذا أصرَّ على قُبحٍ آخَرَ لم يكنْ تارِكًا للقبيحِ المتروكِ مِن أجْلِ قُبحِه [366] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 81). ويُنظر: ((الأنساب)) للسَّمعاني (2/374)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 154). .
الثَّاني: قولُه في الإرادةِ المشروطةِ، وهو أنَّه لا يجوزُ أن يكونَ الشَّيءُ الواحِدُ مُرادًا مِن وَجهٍ، مكروهًا مِن وَجهٍ آخَرَ، بل يجِبُ أن يكونَ مُرادًا مِن جميعِ الوُجوهِ، فلا يُكرَهُ مِن وَجهٍ مِن وُجوهِه.
ويرى البغداديُّ أنَّ في هذا القولِ هَدمًا لأُصولِ المُعتَزِلةِ في الحُسنِ والقُبحِ؛ لأنَّه يلزَمُه أن يكونَ مِن القبائِحِ ما لا يكرَهُه اللهُ، فمَثلًا: يُريدُ تعالى السُّجودَ له عِبادةً، فعلى هذا الأصلِ لا يجوزُ أن يُكرَهَ السُّجودُ للصَّنمِ عِبادةً [367] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) (ص: 177). .
الثَّالثُ: قولُه بنَفيِ جملةٍ مِن الأعراضِ التي أثبَتها أكثَرُ مُثبِتي الأعراضِ؛ كالبقاءِ والإدراكِ والألمِ والشَّكِّ، وقد زعَم أنَّ الألمَ الذي يلحَقُ الإنسانَ عندَ المُصيبةِ ليس بمعنًى أكثَرَ مِن إدراكِ ما ينفِرُ عنه الطَّبعُ، والإدراكُ ليس بمعنًى عندَه، وكذلك اللَّذَّاتُ عندَه ليست بمعنًى، ولا هي أكثَرُ مِن إدراكِ المُشتَهى، والإدراكُ ليس بمعنًى، وقال في الألمِ الذي يحدُثُ عندَ الوباءِ: إنَّه معنًى كالألمِ الذي يحدُثُ عن الضَّربِ؛ لأنَّه واقِعٌ تحتَ الحِسِّ [368] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (182). .
الرَّابعُ: الثَّوابُ والعِقابُ: فقال أبو هاشِمٍ باستِحقاقِ الشُّكرِ والذَّمِّ على فِعلِ الغَيرِ، فلو أنَّ زيدًا أمَر عَمرًا بفِعلِ طاعةٍ، استحقَّ زيدٌ شُكرَينِ: شُكرًا على الأمرِ الذي هو فِعلُه، وشُكرًا على فِعلِ الطَّاعةِ التي هي فِعلُ عَمرٍو، وكذلك لو أمَره بمعصيةٍ استحقَّ ذمَّينِ: على الأمرِ، وعلى فِعلِ عَمرٍو [369] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 169). .
وكذلك قال: باستِحقاقِ الذَّمِّ والعِقابِ لا على فِعلٍ؛ فالإنسانُ القادِرُ المُكلَّفُ إذا مات ولم يرتكِبْ معصيةً، ولكنَّه لم يفعلْ بقُدرتِه طاعةً للهِ تعالى؛ استحقَّ الذَّمَّ والعقابَ الدَّائِمَ، لا على فِعلٍ، بل مِن أجْلِ أنَّه لم يفعَلْ ما أُمِر به معَ قُدرتِه عليه، وارتِفاعِ الموانِعِ عنه؛ ولذلك اعتبَر مَن لم يفعلْ ما أُمِر به عاصيًا، وإن لم يفعلْ معصيةً، ولم يعُدْ طائِعًا إلَّا مَن فعل طاعةً، فحتَّى يكونَ الإنسانُ مُطيعًا فيتخلَّصَ مِن العقابِ، ويستحقَّ الثَّوابَ؛ يجِبُ عليه ألَّا يمتنِعَ عن فِعلِ ما نُهِي عنه فحسْبُ، بل أن يفعلَ أيضًا ما أُمِر به [370] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 169)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 155). .
الخامسُ: قولُه بالأحوالِ التي كفَّره فيها مُشارِكوه في الاعتِزالِ فضلًا عن سائِرِ الفِرَقِ [371] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 180). .

انظر أيضا: