موسوعة الفرق

المَبحَثُ التَّاسعَ عَشرَ: مِن الفِرَقِ الاعتِزاليَّةِ: فِرقةُ الجُبَّائيَّةِ


وهُم أتباعُ أبي عليٍّ؛ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ الجُبَّائيِّ نِسبةً إلى جُبَّى، وهي بلدٌ مِن أعمالِ خُوزِسْتانَ في طَرَفٍ مِن البَصرةِ والأهوازِ، وهو شيخُ المُعتَزِلةِ في البَصرةِ، تلقَّى الاعتِزالَ عن أبي يعقوبَ الشَّحَّامِ، وكان معَ حداثةِ سنِّه معروفًا بقوَّةِ الجَدَلِ، تُوفِّي سنةَ (303هـ) [349] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 84)، ((معجم البلدان)) للحَمَوي (2/ 97). .
وقد انفرَد بأقوالٍ؛ منها ما يلي:
الأوَّلُ: قال: إنَّ حقيقةَ الطَّاعةِ هي مُوافَقةُ الإرادةِ، وقد قيل له: إنَّ قولَك هذا يوجِبُ أن يكونَ اللهُ مُطيعًا لعَبدِه إذا أعطاه مُرادَه، فقال: نعَم، يكونُ مُطيعًا له، فخالَف بذلك الإجماعَ؛ لأنَّ المُسلِمينَ قَبلَه أجمَعوا على أنَّ مَن قال: إنَّ الباريَ سُبحانَه وتعالى مُطيعٌ لعبدِه كان موصوفًا بالكُفرِ، وأيضًا: لو جاز أن يُقالَ: إنَّه لعبدِه مُطيعٌ لجاز أن يكونَ له خاضِعًا، وهذا غَيرُ جائِزٍ؛ فدلَّ على بُطلانِ هذا القولِ [350] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 84)، ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (167). .
الثَّاني: قال في الصِّفاتِ: إنَّ اللهَ لم يزَلْ سميعًا بصيرًا، ويمتنِعُ أن يُقالَ: لم يزَلْ سامِعًا مُبصِرًا؛ فاللهُ عندَه في الأزلِ (سميعٌ)، ولم يكنْ سامِعًا إلَّا عندَ وُجودِ المسموعِ، ولم يكنْ مُبصِرًا إلَّا عندَ وُجودِ المرئيِّ؛ وذلك لأنَّ (سامِعًا ومُبصِرًا) مُتعدِّيانِ بخلافِ (سميعٍ وبصيرٍ)، فلمَّا لم يجُزْ أن تكونَ المسموعاتُ والمرئيَّاتُ لم تزَلْ موجوداتٍ، لم يجُزْ أن يكونَ سامِعًا ومُبصِرًا [351] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 168)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 153). .
وقال في أسماءِ اللهِ تعالى: إنَّها يجوزُ أن تُؤخَذَ قياسًا، ويجوزُ أن يُشتَقَّ مِن أفعالِه اسمٌ لم يَرِدْ به السَّمعُ، ولم يأذَنْ به الشَّرعُ [352] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 84). .
قال الإسْفِرايِينيُّ: (كان يقولُ: إنَّ أسماءَ الباري تعالى يجوزُ أن تُؤخَذَ قياسًا، ويجوزُ أن يُشتَقَّ له مِن أفعالِه اسمٌ لم يَرِدْ به السَّمعُ، ولم يأذَنْ فيه الشَّرعُ، حتَّى قيل له: يجوزُ أن يُسمَّى مُحبِّلَ النِّساءِ؟ قال نعَم، وهذه بِدعةٌ شنيعةٌ فضيحةٌ) [353] ((التبصير في الدين)) (ص: 86)، ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 168). .
الثَّالثُ: قولُه: إنَّ العرَضَ الواحِدَ يجوزُ أن يكونَ في محالَّ كثيرةٍ، ويُعلِّلُ ذلك بقولِه: إنَّ الكلامَ يُكتَبُ في محَلٍّ، فيكون عَرَضًا موجودًا فيه، ثُمَّ يُكتَبُ في محَلٍّ ثانٍ، فيصيرُ أيضًا موجودًا فيه مِن غَيرِ أن ينتقِلَ مِن المحَلِّ الأوَّلِ أو يُعدَمَ فيه [354] يُنظر: ((التبصير في الدين)) (ص: 86)، ((اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)) للرازي (ص: 43). .
الرَّابعُ: قولُه: إنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى ليس بقادِرٍ أن يُفنيَ شيئًا مِن أجسامِ العالَمِ بانفِرادِه، ولكنَّه إن شاء أفنى العالَمَ بفناءٍ يخلُقُه لا في محَلٍّ، فيفنى به جميعُ العالَمِ [355] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 86)، ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 168). .
الخامسُ: اعتِقادُه استحالةَ بَعثِ الأجسامِ بَعدَ تفرُّقِها بالموتِ؛ ولذلك فإنَّه يتأوَّلُ الآيتَينِ الكريمتَينِ، وهما قولُه تعالى: يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة: 73] ، وقولُه تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحـج: 7]، على معنى أنَّ اللهَ يُحيي أرواحَ الموتى، ويبعثُ أرواحَ مَن في القُبورِ [356] يُنظر: ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 156)، ويُنظر أيضًا: ملحق تحقيق ((الاعتصام)) للشاطبي (3/ 350). .

انظر أيضا: