موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: مَدرَسةُ البَصرةِ


قال المَلَطيُّ: (أمَّا مُعتَزِلةُ البَصرةِ فكان أبو الهُذَيلِ العلَّافُ أخَذ الكلامَ مِن بِشرِ بنِ سعيدٍ وأبي عُثمانَ الزَّعفَرانيِّ صاحِبَي واصِلِ بنِ عطاءٍ، فوضَع مِن الكُتُبِ ألفًا ومائتَي صِنفٍ يرُدُّ فيها على المُخالِفينَ، وينقُضُ كُتبَهم إلَّا كتابَ الحُجَّةِ؛ فإنَّه وضَعه في الأُصولِ، وكان المجلِسُ قَبلَ أبي الهُذَيلِ بالبَصرةِ، والكلامُ لضِرارِ بنِ عَمرٍو أظهَر الخلافَ، والتبَس عليه العدلُ والتَّوحيدُ والوعيدُ، ونصُّ رسالةِ (إلى العامَّةِ) ما سبَقه إليها أحدٌ في حُسنِ الكلامِ ونِظامِه؛ يذكُرُ فيها العدلَ والتَّوحيدَ والوعيدَ، ثُمَّ كان في آخِرِ أيَّامِه أبو بكرٍ الأصَمُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ كَيسانَ، فالتبَس عليه أيضًا العدلُ والتَّوحيدُ، وله كُتبٌ كثيرةٌ ما سبَقه بها أحدٌ، وكان أبو الهُذَيلِ يُلقِّبُه بـ(خَرْبان)؛ لأنَّ (الخَر) بالفارِسيَّةِ هو الحِمارُ، و(الخَرْبانُ) المُكَارِي، فجرى عليه هذا اللَّقبُ، ثُمَّ أخرَج أبو الهُذَيلِ إبراهيمَ النَّظَّامَ، وهِشامًا الفُوَطيَّ، فعابا عليه وخالَفاه في الفَرعِ؛ لأنَّ الأصلَ الذي خالَفه عليه هِشامٌ الفُوَطيُّ يكونُ في مائةٍ وعِشرينَ مسألةً، فوضع عليه فيها كتابًا، وكان آخِرَ أيَّامِ أبي الهُذَيلِ، وكان كُفَّ بَصرُه، فتقدَّم إلى بعضِ تلامذتِه فنقَضها عليه، ثُمَّ خالَفه إبراهيمُ النَّظَّامُ أيضًا في مائةٍ وعِشرينَ مسألةً، فوضَع فيها نقضًا، ونقَضها عليه أبو الهُذَيلِ، وكانت المُناظَراتُ بَينَهم في المجالِسِ لا تنقطِعُ، وأبو الهُذَيلِ هذا لم يُدرَكْ في أهلِ الجدلِ مِثلُه، وهو أبوهم وأستاذُهم، وكان الخُلفاءُ الثَّلاثةُ؛ المأمونُ والمُعتصِمُ والواثِقُ، يُقدِّمونَه ويُعظِّمونَه، وكان الوزيرُ ابنُ أبي دُؤادَ مِن تلامِذتِه، وكان لا يقومُ له في الكلامِ خَصمٌ، يصوغُ الكلامَ صياغةً، ثُمَّ خرَج مِن تحتِ يدِ النَّظَّامِ بَعدَ أن صنَّف كُتبًا كثيرةً الجاحِظُ، وصنَّف كُتبًا، وكان صاحِبَ تصنيفٍ، ولم يكنْ صاحِبَ جدلٍ، وأخرَج هشامٌ عبَّادَ بنَ سُلَيمانَ، وكان أحدَ المُتكلِّمينَ، فملأ الأرضَ كُتبًا وخلافًا، وخرَج عن حدِّ الاعتِزالِ إلى الكُفرِ والزَّندقةِ؛ لحِدَّةِ نظرِه وكثرةِ تفتيشِه، ثُمَّ لم يقُمْ للمُعتَزِلةِ إمامٌ مذكورٌ بالبَصرةِ ولا بغدادَ إلى أن خرَج أبو عليٍّ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ بكُورِ جُبَّى، بَينَ البَصرةِ والأهوازِ، وكان لقِي الشَّحَّامَ بالبَصرةِ قَبلَ خُروجِ عليِّ بنِ مُحمَّدٍ الشَّحَّامِ صاحِبِ أبي الهُذَيلِ، فتعلَّم منه، فخرَج لا شَبهَ له، ووضَع أربعينَ ألفَ ورقةٍ في الكلامِ، ووضَع تفسيرَ القرآنِ في مائةِ جُزءٍ، وشيئًا لم يسبِقْه أحدٌ بمِثلِه، وسهَّل الجدالَ على النَّاسِ، ثُمَّ خرَج ابنُه أبو هاشِمٍ، فوضَع مائةً وستِّينَ كتابًا في الجدلِ في أيَّامٍ قلائِلَ، شيءٌ ما وصَل إلى مِثلِه أحدٌ قَبلَه ولا أبوه، وخالَف أباه في تسعٍ وعِشرينَ مسألةً، وكان أبوه يُخالِفُ أبا الهُذَيلِ في تسعَ عَشْرةَ مسألةً) [212] ((التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع)) (ص: 38- 40). .
مِن أشهَرِ أتباعِ مَدرَسةِ البَصرةِ:
1- واصِلُ بنُ عطاءٍ (ت 131هـ)، وهو مُؤسِّسُها.
2- عَمرُو بنُ عُبَيدٍ (ت 143 أو 144هـ).
3- مَعمَرُ بنُ عبَّادٍ السُّلَميُّ (ت 220هـ).
4- أبو هُذَيلٍ العَلَّافُ (ت 227هـ، وقيل: 235هـ).
5- النَّظَّامُ (ت 231هـ).
6- الجاحِظُ (ت 255هـ).
7- أبو عليٍّ الجُبَّائيُّ (ت 303هـ).
8- أبو هاشِمٍ الجُبَّائيُّ (ت 321هـ).

انظر أيضا: